التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٥٨
وعدتهم) أي الجنة التي وعدت المؤمنين بها وهي جنة عدن أي إقامة وخلود ودوام (ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم) كل ذلك في موضع نصب. ويحتمل أن يكون عطفا على الهاء والميم في (وأدخلهم) وتقديره وادخل من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم الجنة أيضا. ويحتمل أن يكون عطفا على الهاء والميم في (وعدتهم) وتقديره أدخلهم جنات عدن التي وعدت المؤمنين ووعدت من صلح من آبائهم (إنك أنت العزيز) في انتقامك من أعدائك (الحكيم) في ما تفعل بهم وبأولئك، وفي جميع أفعالك. وقولهم (وقهم السيئات) معناه وقهم عذاب السيئات ويجوز أن يكون العذاب هو السيئات وسماه سيئات، كما قال (وجزاء سيئة سيئة) (1) للاتساع وقوله (ومن تق السيئات) أي تصرف عنه شر عاقبة سيئاته من صغير اقترفه أو كبير تاب منه فتفضلت عليه (يومئذ) يعني يوم القيامة (فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم) أي صرف العذاب عنهم هو الفلاح العظيم، والفوز الظاهر.
ثم اخبر تعالى (إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الايمان فتكفرون) قال مجاهد وقتادة والسدي وابن زيد:
مقتوا أنفسهم حين عاينوا العقاب، فقيل لهم: مقت الله إياكم أكبر من ذلك.
وقال الحسن: لما رأوا أعمالهم الخبيثة مقتوا أنفسهم فنودوا لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم. وقال البلخي: لما تركوا الايمان وصاروا إلى الكفر فقد مقتوا أنفسهم أعظم المقت، كما يقول أحدنا لصاحبه: إذا كنت لا تبالي بنفسك فلما أبالي بك؟! وليس يريد انه لا يبالي بنفسه لكنه يفعل فعل من هو كذلك. وقال قوم: لمقت الله أكبر من مقت بعضكم لبعض. والمقت أشد العداوة والبغض

(1) سورة 42 الشورى آية 40
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست