قد ملك الله كثيرا من خلقه الأمر والنهي والضر والنفع. ثم قال " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " معناه لا يخاصم في دفع حجج الله وإنكارها وجحدها إلا الذين يجحدون نعم الله ويكفرون بآياته وأدلته. ثم قال لنبيه " فلا يغررك " يا محمد " تقلبهم في البلاد " أي تصرفهم لقولهم: لفلان مال يتقلب فيه أي يتصرف فيه. والمعنى لا يغررك سلامتهم وإمهالهم، فان عاقبتهم تصير إلي ولا يفوتونني.
وفي ذلك غاية التهديد.
ثم بين ذلك بأن قال " كذبت قبلهم " أي قبل هؤلاء الكفار " قوم نوح " بان جحدوا نبوته " والأحزاب من بعد هم " أيضا كذبوا رسلهم " وهمت كل أمة برسولهم " وإنما قال برسولهم لأنه أراد الرجال. وفي قراءة عبد الله " برسولها ليأخذوه " قال قتادة هموا به ليقتلوه " وجادلوا بالباطل " أي وخاصموا في دفع الحق بباطل من القول. وفي ذلك دليل على أن الجدال إذا كان بحق كان جائزا " ليدحضوا به الحق " أي ليبطلوا الحق الذي بينه الله واظهره ويزيلوه، يقال: أدحض الله حجته. وقال تعالى " حجتهم داحضة عند ربهم " (1) أي زائلة. ثم قال " فاخذتهم " أي فأهلكتهم ودمرت عليهم " فكيف كان عقاب " فما الذي يؤمن هؤلاء من مثل ذلك؟!
قوله تعالى:
(وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار (6) الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت