التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٦١
التي اقترفوها في الدنيا لا يمكنهم جحدها، وإنما تمنوا الخروج مما هم فيه من العذاب، فقالوا (فهل إلى خروج من سبيل) والمعنى فهل إلى خروج لنا من سبيل فنسلكه في طاعتك واتباع مرضاتك. ولو علم الله تعالى انهم يفلحون لردهم إلى حال التكليف، لأنه لا يمنع احسانا بفعل ما ليس باحسان. ولا يؤتى أحد من عقابه إلا من قبل نفسه، وكذلك قال في موضع آخر (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) (1) تنبيها أنهم لو صدقوا في ذلك لأجابهم إلى ما تمنوه، وإنما يقولون هذا القول على سبيل التمني بكل ما يجدون إليه سبيلا في التلطف للخروج عن تلك الحال، وإنه لا يمكن أحدا أن يتجلد على عذاب الله، كما يمكن ان يتجلد على عذاب الدنيا. ووجه اتصال قوله (فاعترفنا بذنوبنا) بما قبله هو الاقرار بالذنب بعد الاقرار بصفة الرب، كأنه قيل: فاعترفنا بأنك ربنا الذي أمتنا وأحييتنا وطال امهالك لنا فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج لنا من سبيل فنسلكه في طاعتك واتباع مرضاتك. وفي الكلام حذف وتقديره: فأجيبوا ليس من سبيل لكم إلى الخروج (ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم) أي إذا دعي الله وحده دون آلهتكم جحدتم ذلك (وإن يشرك به تؤمنوا) أي إن يشرك به معبودا آخر من الأصنام والأوثان تصدقوا. ثم قال (فالحكم الله) في ذلك والفاصل بين الحق والباطل (العلي الكبير) فالعلي القادر على كل شئ يجب أن يكون قادرا عليه، ويصح ذلك منه وصفة القادرين تتفاضل، فالعلي القادر الذي ليس فوقه من هو أقدر منه ولا من هو مساو له في مقدوره، وجاز وصفه تعالى بالعلي، لان الصفة بذلك قد تقلب من علو المكان إلى علو الشأن يقال: استعلى عليه بالقوة، واستعلى عليه بالحجة وليس كذلك الرفعة فلذلك لا يسمى بأنه رفيع، والكبير العظيم في صفاته

(1) سورة 6 الانعام آية 28
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست