التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٣٤٦
ومن ضم القاف وبنى الفعل للمفعول، فلانه في المعنى مثل قول من بنى الفعل للفاعل.
أخبر الله تعالى في هذه الآية انه لو عجل للخلق الشر، والتعجيل تقديم الشئ قبل حينه. وقد يكون تقديم الشئ في المكان، فلا يكون تعجيلا. والفرق بين التعجيل والاسراع ان التعجيل بالشئ عمله قبل وقته الذي هو أولى به. والاسراع عمله في وقته الذي هو أحق به، وضده الابطاء. الشر ظهور ما فيه الضرر. واصله الاظهار من قولهم: شررت الثوب إذا أظهرته للشمس، ومنه شرر النار لظهوره وانتشاره. وقوله " لقضي إليهم أجلهم " قيل: إن معناه لأميتوا كأنه قيل لقطع اجلهم وفرغ منه قال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما * داود أو صنع السوابغ تبع (1) وقال الحسين بن علي المغربي: معناه رد قطع أجلهم إليهم لكون السبب فيه دعاؤهم. وقوله " استعجالهم بالخير " نصب استعجالهم على المصدر وتقديره ولو يعجل الله للناس تعجيله استعجالهم بالخير إذا دعوا. وقيل في معناه قولان أحدهما - قال مجاهد وقتادة: وهو كقول الرجل لولده وماله في حال غضبه: اللهم لا تبارك فيه والعنه. وقال الحسن: هو كقوله " ويدعو الانسان بالشر دعاؤه بالخير " (2) وقال الجبائي: معناه إنهم يطلبون الخير قبل حينه، وسبيله في أنه لا ينبغي أن يكون كسبيل الشر من الاهلاك بالعقاب قبل حينه لما فيه من الاقتطاع عن التوبة واللطف.
وقوله " فنذر الذين لا يرجون لقاءنا " معناه نترك الذين لا يخافون لقاءنا أو لا يطمعون فيه بمعنى أنه لا يخافون عقاب معاصينا، ولا يطمعون في ثواب طاعتنا " في طغيانهم يعمهون " فالطغيان الغلو في ظلم العباد والطاغي والباغي نظائر. و (العمة) شدة الحيرة، وتقديره نتركهم وهم يترددون في ضلالتهم، لا أنه يريد منهم العمة

(١) مجاز القرآن 1 / 275 وقد مر في 1 / 429 و 4 / 88، 165 (2) سورة 17 الاسراء آية 11.
(٣٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 ... » »»
الفهرست