قوله تعالى:
إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمئنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون (7) آية.
معنى " إن الذين لا يرجون لقاءنا " يحتمل أمرين:
أحدهما - لا يخافون عقابنا، كما قال الهذلي:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها * وخالفها في بيت نوب عواسل (1) والثاني - أن يكون معناه لا يطمعون في ثوابنا، كما يقال تاب رجاء لثواب الله وخوفا من عقابه. والملاقاة وإن كانت لا تجوز الاعلى الأجسام. فإنما أضافها إلى نفسه، لان ملاقاة ما لا يقدر عليه إلا الله يحسن ان يجعل لقاء الله تفخيما لشأنه كما جعل إتيان ملائكته اتيانا لله في قوله " هل ينظرون الا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام " (2) وكما قال " وجاء ربك " (3) وإنما يريد وجاء امر ربك.
ومعنى قوله " ورضوا بالحياة الدنيا " قنعوا بها دون غيرها من خير الآخرة ومن كان على هذه الصفة، فهو مذموم لانقطاعه بها عن الواجب من أمر الله. وقوله " واطمأنوا بها " معناه ركنوا إليها على وجه التمكين فيه، فهؤلاء مكنوا الأحوال الدنيا، فصاحبها يفرح لها ويغتم لها ويرضى لها ويسخط لها. وقوله " والذين هم عن آياتنا غافلون " معنان الذين يذهبون عن تأمل هذه الآيات ولا يعتبرون بها.
والغفلة والسو نظائر، وهو الذهاب المعنى عن القلب بما يضاده وقد تستعمل الغفلة في التعرض لها، ولذلك يقولون: تغافل ولا يقولون مثله في السهو.