التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٣٣٥
الانسان من حال إلى حال، لان ذلك أبعد من توهم الاتفاق فيه.
وقوله " ثم استوى على العرش " معناه استولى عليه بانشاء التدبير من جهته كما يستوي الملك على سرير ملكه بالاستيلاء على تدبيره، قال الشاعر:
ثم استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق (1) يعني بشر بن مروان. ودخلت (ثم) لان التدبير من جهة العرش بعد استوائه.
وقوله " يدبر الامر " فالتدبير تنزيل الأمور في مراتبها على إحكام عواقبها، وهو مأخوذ من الدبور، فتجري على أحكام الدابر في الباري.
وقوله " وما من شفيع إلا من بعد إذنه " فالشفيع هو السائل في غيره لاسقاط الضرر عنه. وعند قوم أنه متى سأله في زيادة منفعة توصل إليه كان شفيعا. والذي اقتضى ذكره - ههنا - صفات التعظيم مع اليأس من الاتكال في دفع الحق على الشفيع. والمعنى - ههنا - ان تدبيره للأشياء وصنعته لها ليس يكون منه بشفاعة شفيع ولا بتدبير مدبر لها سواه، وأنه لا يجسر أحد أن يشفع إليه إلا بعد ان يأذن له فيه، من حيث كان تعالى أعلم بموضع الحكمة والصواب من خلقه بمصالحهم. وقوله " ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون " معناه إن الموصوف بهذه الصفات هو ربكم وإلهكم فاعبدوه وحده، لأنه لا إله لكم سواه، ولا يستحق هذه الصفات غيره. وحثهم على التذكير والتفكر في ذلك وعلى تعرف صحة ما أخبرهم به وقيل: ان العرش المذكور - ههنا - هو السماوات والأرض، لأنهن من بنائه. والعرش البناء. ومنه قوله " يعرشون " (2) أي يبنون. وأما العرش المعظم الذي تعبد الله الملائكة بالحفوف به والاعظام له وعناه بقوله " الذين يحلمون العرش ومن حوله (3) فهو غير هذا. وإنما ذكر الشفيع في الآية ولم يجر له ذكر، لان

(1) مر هذا البيت في 1 / 125 و 2 / 396 (2) سورة 16 النحل آية 68 وسورة 7 الأعراف آية 136 (3) سورة 40 المؤمن آية 7
(٣٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 ... » »»
الفهرست