لما أنذر تعالى في الآية الأولى شدة العقاب وبشر بالعفو والغفران ذكر في هذه أنه ليس على الرسول إلا البلاغ. وأما القبول والامتثال فإنه متعلق بالمكلفين المبعوث إليهم.
وأصل الرسول الاطلاق من قولهم أرسل الطير إرسالا إذا أطلقه ومنه قولهم: ترسل في القراءة ترسلا إذا تثبت. واسترسل الشئ إذا تسلل وانطلق. ورسله مراسلة، وتراسلوا تراسلا. والرسل اللبن لاسترساله من الضرع. وفي الحديث (أعطي من رسلها) وقوله: " والمرسلات عرفا " (1) قيل: هي الخيل. وقيل هي الرياح. والفرق بين الرسول والنبي أن النبي لا يكون الا صاحب المعجز الذي ينبئ عن الله أي يخبر، والرسول إذا كان رسول الله فهو بهذه الصفة، وقد يكون الرسول رسولا لغير الله، فلا يكون بهذه الصفة. والانباء عن الشئ قد يكون من غير تحميل النبأ. والارسال لا يكون الا بتحميل الرسالة. والبلاغ وصول المعنى إلى غيره، وهو هاهنا وصول الانذار إلى نفوس المكلفين. وأصل البلاغ البلوغ تقول: بلغ يبلغ بلوغا وأبلغه ابلاغا وتبلغ تبلغا وبالغ مبالغة وبلغه تبليغا، ومنه البلاغة لأنها إيصال المعنى إلى النفس في حسن صورة من اللفظ. وتبالغ الرجل إذا تعاطى البلاغة وليس ببليغ، وفي هذا بلاغ أي كفاية لأنه يبلغ مقدار الحاجة.
" والله يعلم ما تبدون وما تكتمون " معناه أنه لا يخفى عليه شئ من أحوالكم التي تظهرونها أو تخفونها وتكتمونها وفي ذلك غاية التهديد والزجر. قوله تعالى:
قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون (103) آية معنى قوله " لا يستوى " لا يتساوى. والاستواء على أربعة أقسام: