التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٣٧
وقوله " قد سألها قوم من قبلكم " قال ابن عباس: سأل قوم عيسى (ع) إنزال المائدة ثم كفروا بها. وقال غيره: هو قوم صالح سألوا الناقة ثم عقروها وكفروا بها. وقال السدي هذا حين سألوا أن يحول لهم الصفا ذهبا. وقال أبو علي: إنما كانوا سألوا نبيهم عن مثل هذه الأشياء يعني من آيات ونحوها فلما أخبرهم النبي صلى الله عليه وآله قالوا: ليس الامر كذلك، فكفروا به وقال الرماني: السؤال هو طلب الشئ اما بايجاده واما باحضاره واما بالبيان عنه، والذي يجوز السؤال عنه هو ما يجوز العمل عليه من أمر دين أو دنيا. وما لا يجوز العمل عليه من أمر دين أو دنيا لا يجوز السؤال عنه ولا يجوز أن يسأل الله تعالى شيئا إلا بشرط انتقاء وجود القبح عن الإجابة، فعلى هذا لا يجوز أن يسأل الانسان: من أبي لان المصلحة اقتضت ان من ولد على فراش انسان حكم بأنه ولده. وإن لم يكن مخلوقا من مائه، فالمسألة بخلافه سفه لا يجوز.
قوله تعالى:
ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيل ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون (106) آية بلا خلاف.
هذه الآية من الأدلة الواضحة على بطلان مذهب المجبرة من قولهم: من أن الله تعالى هو الخالق للكفر والمعاصي وعبادة الأصنام وغيرها من القبائح، لأنه تعالى نفى أن يكون هو الذي جعل البحيرة أو السائبة أو الوصيلة أو الحام، وعندهم ان الله تعالى هو الجاعل له والخالق، تكذيبا لله تعالى وجرأة عليه. ثم بين تعالى أن هؤلاء بهذا القول قد كفروا بالله وافتروا عليه بأن أضافوا إليه ما ليس بفعل له، وذلك واضح لا إشكال فيه.
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»
الفهرست