قال أبو علي الفارسي: قوله " جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس " تقديره جعل الله حج الكعبة أو نصب الكعبة قياما لمعايش الناس أو مكاسب الناس، لأنه مصدر (قام) كأن المعنى قام بنصبه ذلك لهم، فاستتبت بذلك معايشهم، واستقامت أحوالهم به فالقيام كالعياذ والعيال. وعلى هذا لحقته تاء التأنيث في هذه المصادر فجاءت (فعالة) كالزيادة والسياسة والحياكة، فكما جاءت هذه المصادر على (فعال) أو (فعالة) كذلك حكم القيام أن يكون على (فعال).
ووجه قراءة ابن عامر أحد أمرين: إما أن يكون جعله مصدرا كالشبع أو حذف الألف وهو يريدها كما يقصر الممدود، وهذا الوجه إنما يجوز في الشعر دون الكلام. وإنما أعلوا الواو فقلبوها ياءا لاعتلال الفعل، ولم يصححوها كما صحت في الحول والعوض، ألا ترى أنهم قالوا ديمة وديم، وحيلة وحيل فأعلوها في المجموع لاعتلال آحادها، فاعلال المصدر لاعتلال الفعل أولى.
والقوام هو العماد تقول: هو قوام الامر وملاكه، وهو ما يستقيم به أمره وقلبت الواو ياءا لانكسار ما قبلها في مصدر (فعل، يفعل) وهو قام بالامر قياما كقولك صام صياما. فأما صحة الواو فمن قاومه قواما مثل حاوره حوارا قال الراجز:
قوام دنيا وقوام دين (1) وتقدير الآية جعل الله حج الكعبة أو نصب الكعبة قياما لمعاش الناس ومصالحهم.
وقوله " والشهر الحرام " معطوف على المفعول الأول ل (جعل) كما تقول ظننت زيدا منطلقا وعمرا أي فعل ذلك ليعلموا أن الله يعلم مصالح ما في السماوات والأرض، وما يجري عليه شأنهم في معاشهم وغير ذلك مما يصلحهم