ذلك ثلاثة أجوبة:
أحدها - أنه تعالى لما اخبر بما في هذه السورة من قصة موسى وعيسى وقومهما وبالتوراة والإنجيل، وما فيهما من الاحكام واخبار الأمم وفصله، وذلك كله مما لم يشاهده محمد صلى الله عليه وآله ولا قومه ولا أحد في عصره ولا وقفوا على شئ من ذلك، قال ذلك لتعلموا أن الله تعالى لولا أنه بكل شئ عليم لما جاز أن يخبركم عنهم، فاخباره بذلك يدل على أنه بكل شئ عليم. وأيضا فان ما جعله الله من البلد الحرام والشهر الحرام من الآيات والأعاجيب دالا على أنه تعالى لا يخف عليه شئ، لأنه جعل البيت الحرام والحرم أمنا، يأمن فيه كل شئ ويسكن قلبه فالظبي يأنس بالسبع والذئب ما دام في الحرم، فإذا خرج عن الحرم خاف وطلب السبع وهرب منه الظبي حتى يرجع إلى الحرم، فإذا رجع إليه كف عنه السبع، وهذا من عظيم آيات الله وعجيب دلائله، وكذلك الطير والحمامة تأنس بالانسان، فإذا خرج من الحرم خافه ولم يدن من أحد حتى يعود إلى الحرم، والطير يستشفي بالبيت الحرام إذا مرض يسقط علم؟؟ البيت استشفاء به، فإذا زال عنه المرض لم ير على سطح البيت ولا محاذيه في الهواء إجلالا له وتعظيما، مع أمور كثيرة يطول ذكرها، فيكون ما دبره الله من ذلك دالا على أنه عالم بمصالح الخلق وبكل شئ. وأيضا فإنه أخبرهم بأنه قد علم قبل أن يخلقهم ما هم صائرون إليه من القتال والغارة والسبي والسلب فجعل من سنن إبراهيم وإسماعيل ان من دخل الحرم لم يقتل. وكذلك من عاذ بالبيت. وأن أشهر الحرم لا يجوز فيها قتال وأن من أهدى أو قلد أمن على نفسه، وكل ذلك يدل على أن من دبره عالم بالعواقب ولا يخفى عليه شئ من الأشياء على وجه من الوجوه.
قوله تعالى:
إعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم (101) آية