للحاهم فقالوا: أمرنا بذلك ربنا يعنون كسرى، ولأن هؤلاء الذين عبدوهم من دون الله إذا ادعوا الربوبية أو لم يدعوها لا يستطيعون تخليص عبدتهم من النار والعذاب، وسيتبرئون يوم القيامة ممن عبدهم، وهذا لأن النصارى مثلا اعتقدوا الربوبية والألوهية في المسيح وكذا اليهود في عزير وكذا عبدة الأصنام في أصنامهم، وأما قولهم: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) فهو كذب منهم بنص القرآن، لأنهم لا يقولون ذلك إلا عند محاجة النبي لهم وإفحامه إياهم فيضطرون لقول مثل هذا، ولذلك قال الله عقب هذه الآية: (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) والذي يؤكد ذلك أنهم يأبون أن يسجدوا لله تعالى: (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا) وكذلك لا يقرون بالبعث (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم، قل يحيها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) والمستغيث بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس كذلك من جميع الوجوه فهو يسجد للرحمن ويدعوه ولا ينكر البعث ولم يعبد غير الله تعالى، وحصر الدعاء بالعبادة غلط ثم غلط ثم جهل مركب، لأن واحدا من معانيه العبادة وله معان أخرى، فتعميم حديث (الدعاء هو العبادة) على كل دعاء من الجهل البالغ إلى الذروة وهو ينبئ أن القائل بذلك ليس له دراسة في علوم اللغة والتفسير وفهم كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم حق الفهم (13)، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم دعا أشخاص أحياء وكذلك دعا الأموات فقال لهم: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين - للأموات من أهل القبور -، والمستغيث لم يأب السجود للرحمن ولم ينكر
(٣٢)