الحكماء على أن رأس الحكمة الصمت وقال الفضيل: لا حج ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان وقال لقمان لابنه: لو كان الكلام من فضة كان السكوت من ذهب ومن كلامهم: ملاك حسن السمت إيثار طول الصمت، ومنه: الصمت عن الباطل صدقة. وقال الشاعر:
إذا تم عقل المرء قل كلامه * وأيقن بحمق المرء إن كان مكثارا (تنبيه) قال ابن عربي: الصمت قسمان: صمت باللسان عن الحديث لغير الله تعالى مع غير الله تعالى جملة واحدة وصمت بالقلب عن خاطر يخطر له في النفس في كون من الأكوان فمن صمت لسانه ولم يصمت قلبه خف وزره ومن صمت لسانه وقلبه ظهر له سره وتجلى له ربه ومن صمت قلبه ولم يصمت لسانه فهو ناطق بلسان الحكمة ومن لم يصمت بلسانه ولا بقلبه كان مملكة للشيطان ومسخرة له فصمت اللسان من منازل العامة وأرباب السلوك وصمت القلب من صفات المقربين أهل المشاهدات وحال صمت السالكين السلامة من الآفات وحال صمت المقربين مخاطبات التأنيس فمن التزم الصمت في الأحوال كلها لم يبق له حديث إلا مع ربه فإذا انتقل من الحديث مع الأغيار إلى الحديث مع ربه كان نجيا مؤيدا إذا نطق نطق بالصواب. (فر عن أبي هريرة) وفيه يحيى بن يحيى الغساني قال الذهبي: خرجه ابن حبان والمغيرة بن عبد الرحمن قال ابن معين: ليس بشئ ووثقه بعضهم.
5159 - (الصمت زين للعالم) لما فيه من الوقار، والهدر عار سيما للعالم المقتدى بأقواله وأفعاله وقد ينطق بغير تأمل فيسبق لسانه بكلمة لا يلقى لها بالا فيهوي بها في جهنم سبعين خريفا كما في الخبر المار فعلى العاقل سيما الفاضل أن يميز بين أشكال الكلام قبل النطق ليكون على بصيرة من نفسه وبينة من ربه (وستر للجاهل) لأن المرء مخبوء تحت لسانه وهو المنبئ عن شأنه فحاله مستور ما لم يتكلم (تنبيه) قال الراغب: الفرق بين الصمت والسكوت والإنصات والإصاخة أن الصمت أبلغ لأن قد يستعمل فيما لا قوة فيه للنطق وفيما له قوة للنطق ولهذا قيل: لما لم يكن له نطق الصمت، والسكوت لما له نطق فترك استعماله والإنصات سكوت مع استماع ومتى انفك أحدهما عن الآخر لم يقل له إنصات وعليه قوله تعالى * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * فقوله وأنصتوا بعد الاستماع ذكر خاص بعد عام والإصاخة الاستماع إلى ما يصعب استماعه وإدراكه كالسر والصوت من مكان بعيد. (أبو الشيخ) ابن حبان (عن محرز بن زهير) الأسلمي مدني له صحبة ورواية.
5160 - (الصمت سيد الأخلاق) لأنه يعين على الرياضة وهي من أهم الأركان في حكم المنازلة وتهذيب الأخلاق والسلامة من عذاب الخلاق قال الغزالي: فعليك بملازمة الصمت إلا بقدر