فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٩٩
فإنكم إن استقمتم مع الله استقامت أموركم مع الخلق، وهذا إشارة إلى طلب قطع كل ما سوى الله عن مجرى النظر (طب عن سمرة) بن جندب قال الهيثمي وفيه عمران القطان استشهد به البخاري وضعفه آخرون.
1374 - (أكبر الكبائر الإشراك بالله) يعني الكفر. وآثر لفظ الإشراك لغلبته في العرف (وقتل النفس) المحترمة بغير حق (وعقوق الوالدين) أو أحدهما بقطع صلتهما أو مخالفتهما في غير معصية، قال ابن العربي: جعل بر الأصل ثاني التوحيد كما جعله في ضمن حق الله في حديث رضى الرب في رضى الوالد، وناهيك بذلك (وشهادة الزور) أي الشهادة بالكذب يتوصل بها إلى باطل وإن قل، وظاهر التركيب يقتضي حصر الكبائر فيها وليس بمراد بل ذكر الأربعة من قبيل ذكر البعض الذي هو أكبر كما سبق. والكفر أكبر مطلقا ثم القتل والباقي على معنى من (خ عن أنس) بن مالك.
1375 - (أكبر الكبائر حب الدنيا) لأن حبها رأس كل خطيئة كما يأتي في خبر، فهي أصل المفاسد ولأنها ضرة الآخرة فمهما أرضيت هذه أغضبت هذه كالمشرق والمغرب مهما قربت من أحدهما بعد زمن الآخر وهما كقدحين أحدهما مملوءا. فبقدر ما يصب في الآخر حتى يمتلئ يفرغ من الآخر، قال الحسن البصري: ومن علامة حب الدنيا أن يكون دائم البطنة قليل الفطنة، همه بطنه وفرجه، فهو يقول في النهار متى يدخل الليل حتى أنام ويقول في الليل متى أصبح من الليل حتى ألهو وألعب وأجالس الناس في اللغو وأسأل عن حالهم (فر عن ابن مسعود) رمز لضعفه، ووجهه أن فيه حمد بن أبو سهيل قال في الميزان طعن ابن منده في اعتقاده.
1376 - (أكبر الكبائر سوء الظن بالله) فهو أكبر الكبائر الاعتقادية بعد الكفر لأنه يؤدي إليه * (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم) * [فصلت: 23] والله تعالى عند ظن عبده به لكن كما يجب على العبد إحسان الظن بربه يجب عليه أن يخاف عقابه ويخشى عذابه، فطريق السلامة بين طريقين مخوفين مهلكين طريق الأمن وطريق اليأس وطريق الرجاء والخوف هو العدل بينهما، فمتى فقدت الرجاء وقعت في طريق الخوف ومتى فقدت الخوف وقعت في طريق الأمن * (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) * [الأعراف: 99] فطريق الاستقامة ممتد بينهما، فإن ملت عنه يمنة أو يسرة هلكت، فيجب أن تنظر إليهما جميعا وتركب منهما طريقا دقيقا وتسلكه. نسأل الله السلامة (واعلم) أن النفس إذا كانت ذات شره وشهوة غالية فارت بدخان شهواتها كدخان الحريق فأظلمت الصدر فلم يبق له ضوء بمنزلة قمر ينكسف فصار الصدر مظلما وجاءت النفس بهواجسها وتخليطها واضطربت فظن العبد أن الله لا يعطف عليه ولا يرحمه ولا يكفيه أمر رزقه ونحو ذلك وهذا من سوء الظن بالله وصل
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»