فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٠٤
كلامه كثر سقطه وجازف ولم يتحر فتكثر ذنوبه من حيث لا يشعر وفي حديث معاذ: وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم وفي خبر الترمذي مات رجل فقيل له أبشر بالجنة، فقال المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أولا تدري فلعله كان يتكلم فيما لا يعنيه أو يخل بما يعنيه، والإكثار من ذلك عده القوم من الأغراض النفسانية والأمراض القلبية التي التداوي منها من الفروض العينية. وعلاجه أن يستحضر أن وقتك أعز الأشياء عليك فتشغله بأعزها وهو الذكر وفي ذكر يوم القيامة إشعار بأن هذه الخصلة لا تكفر عن صاحبها بما يقع له من الأمراض والمصائب (ابن لآل) أبو بكر (وابن النجار) في تاريخه (عن أبي هريرة) ورواه (السجزي في) كتابه (الإبانة) عن أصول الديانة (عن عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة والواو (حم في الزهد) أي في كتاب الزهد (عن سلمان) الفارسي الأسلمي عظيم الشأن من أهل بيعة الرضوان (موقوفا) عليه، رمز المصنف لضعفه وفيه كلامان الأول أنه قد انجبر بتعدد طرقه كما ترى، وذلك يرقيه إلى درجة الحسن بلا ريب وقد وقع له الإشارة إلى حسن أحاديث هذا الكتاب أوهى إسنادا من هذا بمراحل لاعتضاده بما دون ذلك، الثاني أن له طريقا جيدة أغفلها، فلو ذكرها واقتصر عليها أو ضم إليها هذا لكان أصوب، وهي ما رواه الطبراني بلفظ: أكثر الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل. اه‍. قال الهيثمي ورجاله ثقات. اه‍ والخلف لفظي بين الحديثين عند التدقيق. فضربه عن الطريق الموثقة وعدوله إلى المعللة ورمزه لتضعيفها من ضيق العطن كما لا يخفى على ذوي الفطن.
1387 - (أكثر من أكلة كل يوم سرف) تمامه عند مخرجه البيهقي: والله لا يحب المسرفين. اه‍.
وذلك لأن الأكلة فيه كافية لما دون الشبع، وذلك أحسن لاعتدال البدن وأحفظ للحواس الظاهرة والباطنة. ومن علامات الساعة ظهور السمن في الرجال، وما ملأ آدمي وعاء شر من بطنه، وما دخلت الحكمة معدة ملئت طعاما والمؤمن يأكل في إمعاء واحد والكافر في سبعة. وقال الحسن البصري: وددت أني أكلت أكلة من حلال فصارت في جوفي كالأجرة فإنه بلغني أنها تقيم في الماء ثلاثمائة سنة. وأخرج ابن الأنباري أن ابن العاص قال لمعاوية يوم الحكمين: أكثروا لهم من الطعام فإنه والله ما بطن قوم إلا فقدوا عقولهم وما مضت عزمة رجل قط بات بطينا (تنبيه) قال ابن العربي: للجوع حال ومقام، فحاله الخشوع والخضوع والذلة والافتقار وعدم الفضول وسكون الجوارح وعدم الخواطر الرديئة. هذا حال الجوع للسالكين أما حاله للمحققين فالرقة والصفاء والمؤانسة والتنزه عن أوصاف البشرية بالعزة الإلهية والسلطان الرباني، ومقامه المقام الصمداني، وهو مقام عال له أسرار وتجليات، فهذا فائدة الجوع للمريد لا جوع العامة فإنه جوع صلاح المزاج وتنعيم البدن بالصحة فقط.
والجوع يورث معرفة الشيطان. اه‍. (هب عن عائشة) وفيه ابن لهيعة.
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»