فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٩٧
قومه. ذكره القاضي، قال أبو زرعة: والأمر للندب بدليل قوله (فإن إقامة الصف من حسن) تمام إقامة (الصلاة) إذ لو كان فرضا لم يجعله من تمام حسنها لأن حسن الشئ وتمامه أمر زائد على حقيقته التي لا يتحقق إلا بها، وثبت قوله تمام في رواية البخاري لأبي الوقت، وإنما أمر به لما فيه من حسن الهيئة وعدم تخلل الشياطين بينهم وتمكنهم من صلاتهم مع كثرة جمعهم. والمراد بالصف الجنس ويدخل فيه استواء القائمين على سمت والتلاصق وتتميم الصفوف المقدمة الأول فالأول (م عن أبي هريرة) ورواه عنه البخاري في آخر حديث ولفظه: إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين، وأقيموا الصف في الصلاة إلى آخره.
1369 - (أقيموا صفوفكم) سووها (فوالله لتقيمن) بضم الميم، أصله لتقيمون (صفوفكم أو ليخالفن الله) أي ليوقعن الله المخالفة (بين قلوبكم) قال البيضاوي: اللام فيه التي يتلقى بها القسم، وهنا القسم مقدر ولهذا أكده بالنون المشددة، وأو للعطف. ردد بين تسويتهم صفوفهم ومن هو كاللازم لنقيضها وهو اختلاف القلوب، فإن تقدم الخارج عن الصف يفوت على الداخل وذلك يجر إلى الضغائن بينهم فتختلف قلوبهم، واختلاف القلوب يفضي إلى اختلاف الوجوه المعبر به في خبر سيجئ بإعراض بعضهم عن بعض وهذا جزاء من جنس العمل كخبر من قتل نفسه بحديدة عذب بها، وقال النووي: الظاهر أن معناه يوقع بينكم العداوة واختلاف القلوب كما يقال: تغير وجه فلان إذا ظهر على وجهه كراهية لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في الظواهر واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن اه‍: وقال الطيبي: الوجه أن المراد باختلاف الوجوه اختلاف الكلمة وتهييج الفتن، ولعله أراد الفتن التي وقعت بين الصحابة اه‍. وتسوية الصفوف سنة مؤكدة، وصرفه عن الوجوب الدال عليه الوعيد على تركه الإجماع فهو من باب التغليظ والتشديد تأكيدا أو تحريضا على فعلها، وفيه جواز الحلف بالله لغير ضرورة (د عن النعمان بن بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وبالتحتية، قال: فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبته وكعبه بكعبه.
1370 - (أقيموا) سووا (صفوفكم) أيها الحاضرون لأداء الصلاة معي (وتراصوا) بضم المهملة المشددة: أي تضاموا وتلاصقوا حتى يتصل ما بينكم (فإني) الفاء للسببية (أراكم) رؤية حقيقية (من وراء ظهري) أي من خلفي، بأن خلق الله له إدراكا من خلفه كما يشعر بذلك التعبير بمن الابتدائية، فمبدأ الرؤية من خلف. قال ابن حجر: وفيه إشارة إلى سبب الأمر: أي إنما أمرت لتحققي منكم خلافه. والقول بأنه كان له عينان بين كتفيه كسم الخياط يبصر بهما ولا يحجبهما الثياب متعقب بالرد.
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»