فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٨٤
الطبيعي، فإذا ادعى مدع أنه يسمع في السماع المقيد بالألحان المعنى ويقول لولا المعنى ما تحركت ويدعي أنه خرج عن حكم الطبيعة في السبب المحرك فيتأمل في أمره. وقد رأينا من ادعى ذلك فكان سريع الفضيحة وذلك أنه إذا حضر مجلس السماع فاجعل بالك منه فإذا سرت الأرواح في الحيوانية فحركت الهياكل حركة دورية بحكم استدارة الفلك فالدور مما يدلك على السماع الطبيعي لأن اللطيفة الإنسانية ما هي عن الفلك بل عن الروح المنفوخ فيه وهي متحيزة فوق الفلك فما لها في الجسم تحريك دوري وإنما التحريك للروح الحيواني الذي هو تحت الطبيعي والفلك فإذا دار هذا المدعي وقفز إلى فوق وغاب عن احساسه فقل له ما حركك إلا حسن النغمة والطيع حكم على حيوانيتك، فلا فرق بينك وبين الجمل في تأثير النغمة فيه فيعز عليه هذا ويقول ما عرفتني فأسكت عنه ساعة ثم خذ معه في الكلام الذي يعطي ذلك المعنى واتل عليه آية من القرآن تتضمن المعنى الذي حركه فيأخذ معك فيه ولا يتكلم ولا يأخذه لذلك حال ولا فناء بل يستحسنه ويقول هو معنى جليل فيفتضح فقل له هذا المعنى هو الذي حركك في السماع البارحة بإجابة القوال في شعره بنغمته فلأي معنى سرى فيك ذاك ولم يسر فيك من سماع كلام الحق بل كنت البارحة يتخبطك الشيطان من المس والسماع الإلهي إذا ورد وارده فعليه في الجسم أن يضجعه لا غير ويغيبه عن احساسه ولا تصدر منه حركة أصلا، هبة من الكبار والصغار فعلم أن الوارد الطبيعي تحركه الحركة الدورية والهيمان الإلهي يضجعه فقط لأن الإنسان خلق من تراب وقيامه وقعوده يبعده عن أصله الذي نشأ منه، فإذا جاءه الوارد الإلهي وهو صفة القيومية وهي في الإنسان من حيث جسمه بحكم العرض وروحه المدبر هو الذي يقيمه ويقعده فإذا اشتغل الروح المدبر عن تدبيره بما يتلقاه من الوارد الإلهي من العلوم الإلهية لم يبق من للبدن من يحفظ عليه قيامه وقعوده فرجع إلى أصله وهو لصوقه بالأرض، فإذا فرغ التلقي وصدر الوارد إلى ربه رجع الروح إلى تدبير جسده وهذا سبب اضطجاع الأنبياء على ظهورهم عند نزول الوحي عليهم، وما سمع من نبي قط انه تخبط عند نزول الوحي. ولا اهتز ولا دار ولا غاب عن إحساسه، وكذا الوارد الإلهي لا يغيره عن حاله ولا إحساسه (طس هب) من حديث بقية عن الحصين الفزاري عن أبي محمد (عن حذيفة) قال ابن الجوزي في العلل حديث لا يصح وأبو محمد مجهول وبقية يروي عن الضعفاء ويدلسهم أه‍. قال الهيثمي فيه راو لم يسم وفي الميزان تفرد عن أبي حصين بقية وليس بمعتمد والخبر منكر. اه‍.
ومثله في اللسان.
1340 - (اقرأوا القرآن) أي ما تيسر منه (فإن الله تعالى لا يعذب قلبا وعى القرآن) أي حفظه وتدبره وعمل بما فيه فمن حفظ ألفاظه وضيع حدوده فهو غير واع له. قال سهل: علامة حب الله حب القرآن، وعلامة حب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم، وعلامة حب النبي حب السنة، وعلامة حبها حب الآخرة، وعلامة حبها بغض الدنيا، وعلامة بغضها أن لا يتناول منها إلا البلغة (تمام) في فوائده (عن أبي أمامة) الباهلي
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»