فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٨٠
1335 - (اقرأ القرآن بالحزن) بالتحريك: أي بترقيق الصوت والتخشغ والتباكي، وذلك إنما ينشأ عن تأمل قوارعه وزواجره ووعده ووعيده فيخشى العذاب ويرجو الرحمة. قال الشافعي رضي الله تعالى عنه في مختصر المزني: وأحب أن يقرأ حدرا وتحزينا. اه‍. قال أهل اللغة: حدرها درجها وعدم تمطيطها وقرأ فلان تحزينا إذا رقق صوته وصيره كصوت الحزين. وقد روى ابن أبي داود بإسناد، قال ابن حجر: حسن عن أبي هريرة أنه قرأ سورة فحزنها شبه الرثاء ولا شك أن لذلك تأثيرا في رقة القلب وإجراء الدمع (فإنه نزل بالحزن) أي نزل ناعيا على الكافرين شناعة صفتهم وسماجة حالتهم وبلوغهم الغاية القصوى في اللجاج في الطغيان واستشرابهم في الضلال والبهتان وقولهم على الله ما لا يعلمونه ولا يليق به من الهذيان ونيط بذلك الإنذار والوعيد بعذاب عظيم، وأول ما نزل من القرآن آية الإنذار عند جمع وهي * (يا أيها المدثر قم فأنذر) * [المدثر: 1، 2] وكما أنه نزل بالحزن على المشركين نزل بالرحمة على المؤمنين وتصح إرادته هنا لكن يكون استعماله الحزن ليس على الحقيقة بل من قبيل المجاز. قال العلامة الزمخشري: صوت حزين رخيم، وقال بعض المحققين: قد يطلقون الحزين ويريدون به ضد القاسي مجازا. قال الغزالي: وجه اختيار الحزن مع القراءة أن يتأمل فيه من التهديد والوعيد والوثائق والعهود ثم يتأمل القارئ ما فيه تقصيره من أوامره وزواجره فيحزن لذلك لا محالة فيبكي ويخشع فإن لم يحضره حزن فليبك على فقد الحزن فإن ذلك من أعظم المصائب. اه‍. تنبيه: أفاد هذا التقرير أنه ليس المراد بقراءته بالحزن ما اصطلح الناس عليه في هذه الأزمان من قراءته بالأنغام فإنه مذموم، وقد شدد بعض العارفين النكير على فاعله وقال إن حضرة الحق جل وعلا حضرة هيبة وبهت وتعظيم فلا يناسبها إلا الخشوع والخضوع والدعوة من شدة الهيبة كما يعرفه من دخل حضرة الحق تعالى فإنه يرى ثم كل ملك لو وضع قدمه في الأرض ما وسعته ولو بلغ السماوات والأرض في بطنه لنزلت من حلقه ومع ذلك فهو يرعد من هيبة الله تعالى كالقصبة في الريح العاصف: فسبحان من حجنا عن شهود كمال عظمته رحمة بنا، فإنه لو كشف لنا عن عظمة ما فوق طاقتنا لاضمحلت أبداننا وذابت عظامنا.
ولو استحضر القارئ عظمة ربه حال قراءته ما استطاع أن يفعل ذلك (ع طس حل عن بريدة) قال الهيثمي: فيه إسماعيل بن سيف وهو ضعيف. اه‍. وفي الميزان قال ابن عدي كان يسرق الحديث، وفي اللسان ضعفه البزار أقول فيه أيضا عون بن عمرو أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن معين لا شئ، وكان ينبغي للمصنف الإكثار من مخرجيه إلى جبر ضعفه، فمن خرجه العقيلي في الضعفاء وابن مردويه في تفسيره وغيرهم.
1336 - (اقرأوا القرآن) أي داوموا على قراءته (ما ائتلفت) أي ما اجتمعت (عليه قلوبكم) أي ما دامت قلوبكم تألف القرآن: يعني اقرؤه على نشاط منكم وخواطركم مجموعة (فإذا اختلفتم فيه) بأن مللتم أو صارت قلوبكم في فكرة شئ سوى قراءتكم وحصلت القراءة بألسنتكم مع غيبة قلوبكم
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»