فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٨٢
أحوال القارئين فالأول لمن يقرأهما ولا يفهم معناهما والثاني للجامع بين تلاوة اللفظ ودراية المعنى، والثالث لمن ضم إليهما تعليم المستفيدين وإرشاد الطالبين وبيان حقائقهما وكشف ما فيهما من الرموز والحقائق واللطائف عليهم وإحياء القلوب الجامدة وتهييج نفوسهم الخامدة حتى طاروا من حضيض الجهالة والبطالة إلى أمواج العرفان والبيقين. ذكره القاضي. وقال الطيبي: إذا تفاوتت المشبهات لزم تفاوت المشبه في التظليل بالغمامة دون التظليل بالغيابة، إذ الأول عام في كل أحد، والثاني يختص بمثل الملوك والثالث الرفع كما كان لسليمان عليه السلام (تحاجان) تدافعان الجحيم أو الزبانية. وقال القاضي تحاجان عن أصحابهما بالدلالة على سعيه في الدين ورسوخه في اليقين والإشعار بفضله وعلو شأنه.
(اقرأوا سورة البقرة) قال الطيبي: تخصيص بعد تخصيص، عم أولا بقوله اقرأوا القرآن وعلق به الشفاعة ثم خص الزهراوين وعلق بهما التخصيص من كرب يوم القيامة والمحاجة، وأفرد ثالثا البقرة وعلق بها المعاني الثلاثة الآتية تنبيها على أن لكل منهما خاصية لا يعرفها إلا صاحب الشرع (فإن أخذها) يعني المواظبة على تلاوتها والعمل بها بركة: أي زيادة ونماء (وتركها حسرة) أي تأسف على ما فات من الثواب (ولا تستطيعها البطلة) بفتح الباء والطاء: السحرة: تسمية لهم باسم فعلهم لأن ما يأتون به باطل، وإنما لم يقدروا على قراءتها لزيغهم عن الحق وانهماكهم في الباطل. وقيل البطلة أهل البطالة الذين لم يؤهلوا لذلك ولم يوفقوا له أي لا يستطيعون قراءة ألفاظها وتدبر معانيها لبطالتهم وكسلهم، أو المراد سحرة البيان من قوله إن من البيان لسحرا: أي أنهم لا يستطيعونها من حيث التحدي فأتوا بسورة من مثله وتمسك به من زعم أن القرآن مخلوق، قالوا لأن ما كان غمامة يكون مخلوقا، ورد بأنه جهل إذ القرآن غير جسم فتعين أن المراد بقوله كأنهما غمامتان أن ثوابهما يأتي قارئهما حتى يظله يوم القيامة وهذا لا غبار عليه. تنبيه: قال القونوي: قوله في الحديث يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان إلخ: كناية عن أرواح صور الحروف والكلمات، فإنه قد ثبت شرعا وكشفا أن ما ثم صورة إلا ولها روح فتارة تخفى آثار الروح في الصورة بالنسبة لأكثر الناس، وتارة تظهر بشرط تأييد روح تلك الصورة بمدد يتصل من روح آخر وصور الأعمال والأقوال أعراض لا ترتفع ولا تبقى إلا بأرواحها المصاحبة لها والمتأيدة بأرواح العمال ونياتهم ومتعلقات هممهم التابعة لعلومهم واعتقاداتهم الصحيحة المطابقة لما الأمر عليه وللحروف والكلمات من حيث أفرادها ومن حيث تركيبها خواص تظهر من أرواحها بواسطة صورها تلفظ وكناية شهد بذلك الأولياء عن شهود محقق وتجربة مكررة (حم م) في الصلاة (عن أبي أمامة) الباهلي.
1338 - (اقرأوا القرآن واعملوا به) بامتثال أمره وتجنب نهيه (ولا تجفوا عنه) أي لا تبعدوا عن تلاوته (ولا تغلوا فيه) تجاوزوا حده من حيث لفظه أو معناه بأن تتأولوه بباطل، أو المراد لا تبذلوا جهدكم في قراءته وتتركوا غيره من العبادات، فالجفاء عنه التقصير، والغلو التعمق فيه، وكلاهما شنيع،
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»