فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٨٩
حتى إذا عاقصك تجليه ولم تثبت قدمك فيه بادرت وقلت أنا فيه وأنا الحق سبحاني وقد تدرع باللاهوت ناسوتي إلا أن يثبتك الله بالقول الثابت فتعرف أن الصورة ليست في المرآة بل تجلت لها وما حلت فيها ولو حلت لما تصور أن تتجلى صورة واحدة لمزايا كثيرة في حالة واحدة بل كان إذا حلت في مرآة ارتحلت عن غيرها، وهيهات فإنه تعالى يتجلى لجملة من العارفين دفعة نعم يتجلى في بعض المرايا أصح وأظهر وأقوم وأوضح، وفي بعضها أخفى أميل إلى الاعوجاج عن الاستقامة وذلك بحسب صفايا المرايا وصقالتها وصحة استدارتها واستقامة بسط وجهها، ولذا قال في الخبر إن الله يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة، ومعرفة السلوك والوصول إليه بحر عميق (ت ن ك عن عمرو بن عبسة) بموحدة ومهملتين مفتوحتين. قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وصححه الترمذي والبغوي.
1350 - (أقروا الطير على مكناتها) بفتح الميم وكسر الكاف وشد النون أو تخفف جمع مكنة: أي أقروها في أوكارها فلا تنفروها عن بيضها ولا تزعجوها عنه ولا تتعرضوا لها، فالمراد: أماكنها، من قولهم: الناس على مكاناتهم أي منازلهم ومقاماتهم، أو جمع مكنة بضم الميم والكاف بمعنى التمكن:
أي أقروها على كل مكنة ترونها عليها ودعوا التطير بها، كان أحدهم إذا سافر نفر طيرا، فإن طار يمينا تفاءل وإن طار شمالا تشاءم ورجع (د) في العقيقة (ك) في الذبائح من حديث سباع بن ثابت (عن أم كرز) بضم فسكون الكعبية الخزاعية المكية الصحابية، قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في الميزان قال سباع لا يكاد يعرف وأورد له هذا الخبر.
1351 - (أقسم الخوف) أي حلف. والخوف فزع القلب من مكروه يناله أو محبوب يفوته كما مر وهو قسم بلسان الحال فهو من الإسناد المجازي على وجه الاستعارة (والرجاء) ثقة الموجود بالكريم الودود أو رؤية الجلال بعين الجمال أو قرب القلب من ملاطفة الرب تبارك وتعالى أو غير ذلك (أن لا يجتمعا في أحد في الدنيا) بتساو أو تفاوت (فيربح) بالفتح في القاموس راحت الريح الشئ تراحه أصابته (ريح النار) لأنه على سنن الاستقامة ومن كان منهجه منهجا فجزاؤه النعيم الدائم والسعد القائم (ولا يفترقا في أحد في الدنيا فيربح ريح الجنة) حين يجد ريحها من اجتمع فيه الخوف والرجاء لأن انفراد الخوف يقتضي القنوط وانفراد الرجاء لا يأمن المكر صاحبه فلا بد للسعادة من اجتماعهما ولذا قيل: الخوف والرجاء كالجناحين للسير إلى الله تعالى فلا يمكن السير إلا بهما. قال الغزالي: وإذا كان مدار العبودية على أمرين القيام بالطاعة والانتهاء عن المعصية وذا لا يتم مع هذه النفس الأمارة إلا بترغيب وترهيب فإن الدابة الحرون تحتاج إلى قائد يقودها وسائق يسوقها، وإذا وقفت في مهواة ربما تضررت من جانب ويلوح لها بالشعير من جانب حتى تنهض وتخلص، فكذا النفس دابة حرون وقعت في مهواة الدنيا، فالخوف سوطها وسائقها، والرجاء شعيرها وقائدها، فلذا يلزم العبد أن يشعر النفس بالخوف والرجاء وإلا فلا تساعده النفس الجموح على الطاعة، فعليك بالتزام هذين معا
(٨٩)
مفاتيح البحث: الخوف (5)، الإخفاء (1)، الفزع (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»