فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٨١
فلا تفهمون ما تقرؤون (فقوموا) عنه: أي اتركوه إلى وقت تعودون في محبة قراءته إلى الحالة الأولى فإنه أعظم من أن يقرأه أحد من غير حضور قلب، أو المعنى اقرؤوا ما دمتم متفقين في قراءته وتدبر معانيه وأسراره، وإذا اختلفتم في فهم معانيه فدعوه لأن الاختلاف يؤدي إلى الجدال، والجدال يؤدي إلى الجحد وتلبيس الحق بالباطل. قال الزمخشري. قال ولا يجوز توجيهه بالنهي عن المناظرة والمباحثة فإنه سد لباب الاجتهاد، وإطفاء لنور العلم وصد عما تواطأت العقول والآثار الصحيحة على ارتضائه والحث عليه ولم يزل الموثوق بهم من علماء الأمة يستنبطون معاني التنزيل ويستثيرون دقائقه ويغوصون على لطائفه وهو ذو الوجوه فيعود ذلك تسجيلا له ببعد الغور واستحكام دليل الإعجاز، ومن ثم تكاثرت الأقاويل واتسم كل من المجتهدين بمذهب في التأويل: إلى هنا كلامه. وبه يعرف أنه لا اتجاه لزعم تخصيص إلهي بزمن المصطفى صلى الله عليه وسلم لئلا ينزل ما يسوؤهم (حم ق ن عن جندب) بضم الجيم والدال وتفتح وتضم وهو ابن عبد الله البجلي ثم العقبي بفتحتين ثم قال له صحبة ومات بعد الستين ورواه مسلم والطبراني عن ابن عمر والنسائي عن معاذ.
1337 - (اقرأوا القرآن فإنه) أي القرآن (يأتي يوم القيامة شفيعا) أي شافعا (لأصحابه) بأن يتصور بصورة يراها الناس كما يجعل الله لأعمال العباد صورة ووزنا لتوضع في الميزان فليعتقد المؤمن هذا وشبهه بإيمانه لأنه لا مجال للعقل فيه (اقرؤوا الزهراوين) أي النيرتين، سميتا به لكثرة نور الأحكام الشرعية وكثرة أسماء الله تعالى فيهما أو لهديتهما قارئهما أو لما يكون له من النور بسببها يوم القيامة، والزهراوين تثنية الزهراء تأنيث أزهر وهو المضئ الشديد بالضوء (البقرة وآل عمران) أوقعه بدلا منهما مبالغة في الكشف والبيان كما تقول هل أدلك على الأكرم الأفضل؟ فلان فإنه أبلغ من أدلك على زيد الأكرم الأفضل لذكره أولا مجملا ثم ثانيا مفصلا، وكما جعل علما في الكرم والفضل جعلا علما في الإنارة، وفيه جواز قول سورة كذا ورد على من كرهه فقال إنما يقال السورة التي يذكر فيها كذا (فإنهما يأتيان) أي ثوابهما الذي استحقه التالي العامل بهما (يوم القيامة) قال النووي: أطلق اسمهما على هذا الذي يأتي يوم القيامة استعارة على عادة العرب في ذلك (كأنهما غمامتان) أي سحابتان تظلان قارئهما من حر الموقف وكرب ذلك اليوم المهول (أو غيابتان) مثنى غيابة بمثناة تحتية وهي ما أظل الإنسان. قال القاضي: ولعله أراد ما يكون له صفاء وضوء: إذ الغيابة ضوء شعاع الشمس (أو كأنهما فرقان) بكسر فسكون أي قطيعان وجماعتان (من طير) أي طائفتان منهما (صواف) باسطات أجنحتها متصلا بعضها ببعض جمع صافة وهي الجماعة الواقعة على الصف وليست أو للشك كما وهم ولا للتخيير في تشبيه الصورتين كما ظن، ولا للترديد من بعض الرواة كما قيل لا تساق الروايات كلها على هذا المنهاج بل هي كما قاله البيضاوي وبعض أئمة الشافعية للتنويع وتقسيم
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»