فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٤٣
الملأ الأعلى وفي الدنيا بالفوز والنصر على الأعداء، وفيه حسن مقابلة بين الغائب والشاهد (وتذكي بها عملي) أي تزيده وتنميه وتطهره من أدناس الرياء والسمعة (وتلهمني بها رشدي) أي تهديني بها إلى ما يرضيك وتقربني إليك زلفى: والإلهام أن يلقى الله في النفس أمرا يبعثه على فعل أو ترك وهو نوع من الوحي يختص الله به من يشاء من عباده، قال الراغب: ورشد الله تعالى للعبد تسديده ونصرته يكون بما يخوله من الفهم الثاقب والسمع الواعي والقلب المراعي وتقيض المعلم الناصح والرفيق الموافق وإمداده من المال بما لا يقعد به عن معزاة قلبه ولا يشغل عنه كثرته ومن العشيرة والعز ما يصونه عن سفاهة السفهاء وعن الغض منه من جهة الأغنياء، وأن يخوله من كبر الهمة وقوة العزيمة ما يحفظه عن التسبب بالأسباب الدنيئة والتأخير عن بلوغ كل منزلة سنية (وترد بها ألفتي) بضم الهمزة وكسرها مصدر بمعنى اسم مفعول: أي أليفي أو مألوفي: أي ما كنت آلفه (وتعصمني) أي تمنعني وتحفظني (بها من كل سوء) أي تصرفني عنه وتصرفه عني والعصمة عندنا على ما حكم بها أصلنا من إسناد الحوادث ابتداء إلى الله أن لا يخلق في المرء ذنبا وعند الحكماء على ما ذهبوا إليه من قولهم بالإيجاب واعتبار الاستعداد القابل ملكة نفسانية تمنع من الفجور، وعلى الأول. قال الراغب: العصمة فيض إلهي يقوى به الإنسان على تحري الخير ويجنب الشر حتى يصير كمانع له من باطنه وإن لم يكن منعا محسوسا وليس ذلك بمانع ينافي التكليف كما توهمه بعض من المتكلمين.
(اللهم أعطني إيمانا صادقا ويقينا ليس بعده كفر) أي جحد لدينك فإن القلب إذا تمكن منه نور اليقين انزاحت عنه ظلمات الشكوك واضمحلت منه غيوم الريب (ورحمة) أي عظيمة جدا بحيث (أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة) أي علو القدر فيهما ورفع الدرجات إنما هو برحمة المتعال لا بجلائل الأعمال.
(اللهم إني أسألك الفوز في القضاء) أي الفوز باللطف فيه (ونزل) بضم النون والزاي وأصله حصول المطلوب، ومنه * (أذلك خير نزلا) * [الصافات: 62] (الشهداء) لأنه محل المنعم عليهم وهو وإن كان أعظمهم منزلة وأعلا منهم مرتبة لكنه ذكر للتشريع لأمته (وعيش السعداء) أي الذين قدرت لهم السعادة، والمراد السعادة الأخروية لأنه كان من أكثر الناس تقللا من الدنيا وأزهد الناس مطلقا (والنصر على الأعداء) أي الظفر بهم، والمراد أعداء الدين قال الراغب: والنصر من الله معونة الأنبياء والأولياء وصالحي العباد بما يؤدي إلى صلاحهم عاجلا وآجلا، وذلك تارة يكون من خارج بمن يقيضه الله فيعينه تارة من داخل بأن يقوي قلب الأنبياء أو الأولياء أو يلقي الرعب في قلوب الأعداء وعليه قوله * (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا) * [غافر: 51] الآية.
(اللهم إني أنزل بك) أي أسألك قضاء (حاجتي) أي ما أحتاج إليه من أمور الدنيا والآخرة (فإن قصر) بالتشديد (رأيي) أي عجز عن إدراك ما هو الأنجح الأصلح. قال الراغب والرأي إجالة الخاطر
(١٤٣)
مفاتيح البحث: الشهادة (1)، الرياء (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»