فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٤٥
السديد الموافق لغاية الصواب (أسألك الأمن) من الفزع والأهوال (يوم الوعيد) أي يوم التهديد وهو يوم القيامة (والجنة) أي وأسألك الفوز بها (يوم الخلود) أي يوم إدخال عبادك دار الخلود: أي خلود أهل الجنة في الجنة وخلود أهل النار في النار، وذلك بعد فصل القضاء وانقضاء الأمر (مع المقربين) إلى الحضرات القدسية (الشهود) أي الناظرين إلى ربهم المشاهدين لكمال جماله (الركع السجود) أي المكثرين للصلاة ذات الركوع والسجود (الموفين بالعهود) أي بما عاهدوا عليه الحق والخلق (إنك رحيم) أي موصوف بكمال الإحسان بدقائق النعم (ودود) شديد الحب لمن والاك (وإنك) رواية البيهقي وأنت (تفعل ما تريد) فتعطي من تشاء مسؤوله وإن عظم لا مانع لما أعطيت وقد وصف الله نفسه بالاختيار وأنه على كل شئ قدير وأنه فعال لما يريد وأنه لا مكره له وهو الصادق في قوله وما حكم به فقد ترتبت الأمور ترتيب الحكمة فلا معقب لحكمه فهو في كل حال يفعل ما ينبغي كما ينبغي لما ينبغي فعل حكيم عادل بالمراتب فتأتيه أسئلة السائلين وما يوافق توقيت الإجابة في عين ما سألوه فيه وقد تقرر أنه لا مكره له فلا بد من التوقف عند ذلك السؤال لمناقضته إذا أجابه ترتيب الحكمة فلذلك قال وإنك تفعل ما تريد.
(اللهم اجعلنا هادين) أي دالين الخلق على ما يوصلهم إلى الحق (مهتدين) إلى إصابة الصواب في القول والعمل. قال ابن القطان: قوله هادين مهتدين فيه تقديم وتأخير لأن الإنسان لا يكون هاديا لغيره إلا بعد أن يهتدي هو فيكون مهديا انتهى. قال ابن حجر: وليست هنا صيغة ترتيب (غير ضالين) عن الحق (ولا مضلين) لأحد من خلقك (سلما) بكسر السين المهملة أي صلحا (لأوليائك) الذين هم حزبك المفلحون (وعدوا) لفظ رواية البيهقي حربا بدل عدوا (لأعدائك) ممن اتخذ لك شريكا أو ندا أو فعل معك ما لا يليق بكمالك (نحب بحبك) أي بحسب حبك (من أحبك) حبا خالصا وفي رواية البيهقي نحب بحبك الناس (ونعادي بعداوتك) أي بسبب عداوتك (من خالفك) أي خالف أمرك وهذا ناظر إلى أن من كمال الايمان الحب في الله والبغض في الله.
(اللهم هذا الدعاء) أي هذا ما أمكننا من الدعاء فقد أتينا به ولم نأل جهدا وهو مقدورنا (وعليك) الإجابة فضلا منك ولا وجوبا (وهذا الجهد) بالضم وتفتح الوسع والطاقة (وعليك التكلان) بضم التاء الاعتماد ومن توكل على الله أسكن قلبه الحكمة وكفاه كلامهم وأوصله إلى كل محبوب.
(اللهم اجعل لي نورا في قلبي) أي نورا عظيما فالتنوين للتعظيم وقدم القلب لأنه مقر للتفكر في آلاء الله ومصنوعاته والنور ما يتبين به الشئ (ونورا في قبري) أستضئ به في ظلمة اللحد (ونورا بين يدي) أي يسعى أمامي (ونورا من خلفي) أي من ورائي ليتبعني اتباعي ويقتدي في أشياعي. قال الحراني والخلف ما يخلفه المتوجه في توجهه فينطمس عن حواس إقبال شهوده (ونورا عن يميني ونورا
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»