فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٥٤
مقصور لا يجوز مده ولا همزه إلا بقصد المناسبة للأول أي لا مهرب ولا مخلص ولا ملاذ لمن طلبته (منك إلا إليك) فأموري الداخلة والخارجة مفتقرة إليك (آمنت برسولك الذي أرسلت) يعني نفسه أو المراد بكل رسول أرسلته أو وقع منه ذلك تعليما للغير (وبكتابك الذي أنزلت) أي أنزلته يعني القرآن أو كل كتاب سبق على ما سبق هكذا فسر القاضي الحديث، وقال الطيبي في هذا النظم عجائب وغرائب لا يعرفها إلا الثقات من أهل البيان، فقوله أسلمت نفسي إشارة إلى أن جوارحه منقادة لله في أوامره ونواهيه وقوله وجهت وجهي إشارة إلى أن ذاته وحقيقته مخلصة له بريئة من النفاق وقوله فوضت إشارة إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوضة إليه لا مدبر لها غيره وقوله ألجأت بعد فوضت إشارة إلى أنه بعد تفويض أموره التي هو مفتقر إليها وبها معاشه وعليها مدار أمره يلجأ إليه مما يضره من الأسباب الداخلة والخارجة ثم قوله رغبة ورهبة منصوبات على المفعول له على طريق اللف والنشر أي فوضت أموري إليك رغبة وألجأت ظهري من المكاره والشدائد إليك رهبة منك لأنه لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك وملجأ مهموز ومنجا مقصور همز للازدواج وقوله آمنت بكتابك تخصيص بعد تعميم في قوله أسلمت إلخ ورسولك الذي أرسلت تخصيص من التخصيص فعلى هذا قوله رغبة ورهبة إليك من باب قوله متقلدا سيفا ورمحا وفي رواية للبخاري بدل رسولك نبيك قال الخطابي: فيه حجة لمن منع رواية الحديث على المعنى قال: ويحتمل أن يكون أشار بقوله نبيك إلى أنه كان نبيا قبل أن يكون رسولا، وقال غيره: لا حجة فيه على منع ذلك لأن لفظ الرسول ليس بمعنى لفظ النبي ولا خلاف في المنع إذا اختلف المعنى وكأنه أراد أن يجمع الوصفين صريحا وإن كان وصف الرسالة يستلزم وصف النبوة أو لأن ألفاظ الأذكار توقيفية في نفس اللفظ وتقدير الثواب فربما كان في اللفظ سر ليس في الآخر ولو كان مرادفه في الظاهر أو لعله أوحي إليه بهذا اللفظ فرأى أن يقف عنده وذكر احترازا ممن أرسل من غير نوبة كجبريل وغيره من الملائكة لأنهم رسل لا أنبياء فلعله أراد تخليص الكلام من اللبس أو لأن لفظ النبي أمدح من لفظ الرسول أو لأنه مشترك في الإطلاق على كل من أرسل بخلاف لفظ النبي فإنه لا اشتراك فيه عرفا قال ابن حجر: فعلى هذا قول من قال كل رسول نبي من غير عكس لا يصح إطلاقه (ك في الدعاء عن علي) أمير المؤمنين قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وظاهر كلام المصنف أنه لا يوجد مخرجا لأحد من الستة وهو كذلك على الجملة وإلا ففي البخاري ومسلم نحوه مفرقا بزيادة ونقص.
1489 - (اللهم إني أعوذ بك من العجز) بسكون الجيم سلب القوة وتخلف التوفيق إذ صفة العبد العجز وإنما يقوى بقوة يحدبها الله فيه فكأنه استعاذ به أن يكله إلى أوصافه فإن كل من رد إليها فقد خذل (والكسل) التثاقل والتراخي مما ينبغي مع القدرة أو هو عدم انبعاث النفس لفعل الخير والعاجز معذور والكسلان لا ومع ذلك هو حالة رؤية ولو مع عذر فلذا تعوذ منه (والجبن) بضم
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»