فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٣٨
به فكأنه غير مسموع (ومن نفس لا تشبع) من جمع المال أشرا وبطرا أو من كثرة الأكل الجالبة لكثرة الأبخرة الموجبة للنوم وكثرة الوساوس والخطرات النفسانية المؤدية إلى مضار الدنيا والآخرة (ومن علم لا ينفع) أي لا يعمل به أو لا يهذب الأخلاق الباطلة فيسري إلى الأفعال الظاهرة (أعوذ بك من هؤلاء الأربع) قال الطيبي: في كل من القرائن إشعار بأن وجوده مبني على غايته والغرض الغاية فإن تعلم العلم إنما هو للنفع به فإذا لم ينفعه لم يخلص كفافا بل يكون وبالا، وإن القلب إنما خلق ليخشع لبارئه فإذا لم يخشع كان قاسيا يستعاذ منه، * (فويل للقاسية قلوبهم) * [الزمر: 22] وإنما يعتد بالنفس إذا تجافت عن دار الغرور وأنابت إلى دار الخلود، فإذا كانت نهمة لا تشبع كانت أعدى عدو للمرء فهي أهم ما يستعاذ منه، وعدم استجابة الدعاء دليل على أن الداعي لم ينتفع بعلمه ولم يخشع قلبه ولم تشبع نفسه (فإن قلت) قد علم من صدر الكلام الاستعاذة مما ذكر فما فائدة قوله: أعوذ بك من هؤلاء الأربع؟ (قلت) أفاد به التنبيه على توكيد هذا الحكم وتقويته وفيه جواز تشجيع الدعاء. قال حجة الإسلام: والمكروه التكلف لأنه لا يلائم الضراعة والذلة قال ابن حجر: هذا كان يصدر منه من غير قصد إليه ولذلك جاء في غاية الانسجام (ت ن عن ابن عمرو) بن العاص (د ن ه ك عن أبي هريرة ن عن أنس)، قال الترمذي: حسن غريب وأخرج مسلم نحوه بأتم منه وأكثر فائدة فلو آثره المصنف لكان أحسن.
1469 - (اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك) كالملائكة والأنبياء والأصفياء لأنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا إصلاح إلا بأن يكون الله أحب إليه مما سواه. قال ابن القيم:
وهذا إشارة إلى أن من خصائص الإلهية العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونهما غاية الحب مع غاية الذل. واعلم أن كل حب لا يحكم على صاحبه بأن يصمه عن كل مسموع سوى كلام محبوبه ويعميه عن كل منظور سوى وجه محبوبه ويخرجه عن كل كلام إلا عن ذكر محبوبه وعن ذكر من يحب محبوبه ويختم على قلبه فلا يدخل سوى حب محبوبه ويرى قفله على خزانة خياله فلا يتخيل سوى صورة محبوبه أما عند رؤية تقدمته أو عن وصف ينشأ منه الخيال صورة فيكون كما قيل:
خيالك في عيني وذكرك في فمي * * ومثواك في قلبي فأين تغيب فيه يسمع وبه يبصر وله يتصور وبه يتكلم وله يكلم، فليس من الحب في شئ (اللهم وما رزقتني مما أحب فأجعله قوة لي فيما تحب) لأصرفه فيه سأل الله تعالى أن يجعل ما رزقه من القوة والقوى الجسمانية والروحانية العلمية أو العملية مقويا له على ما يرضيه (وما زويت عني) أي صرفت
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»