فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٤٦
عن شمالي ونورا من فوقي ونورا من تحتي) يعني اجعل النور يحفني من الجهات الست (ونورا في سمعي ونورا في بصري) لأن السمع محل السماع لآياتك والبصر محل النظر إلى مصنوعاتك فبزيادة ذلك تزداد المعارف (ونورا في شعري ونورا في بشري) أي ظاهر جلدي (ونورا في لحمي) الظاهر والباطن (ونورا في دمي ونورا في عظامي) نص على هؤلاء لأن اللعين يأتي الناس في هذه الأعضاء فيوسوسهم وسوسة مشوبة بظلمة. قال القاضي: معنى طلب النور للأعضاء أن تتحلى بأنوار المعرفة والطاعة وتعرى عن ظلم الجهالة والمعاصي، طلب الهداية للنهج القويم والصراط المستقيم وأن يكون جميع ما يتصدى ويعرض له سببا لمزيد علمه وظهور أمره وأن يحيط به يوم القيامة فيسعى خلال النور كما قال تعالى في حق المؤمنين * (نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم) * [التحريم: 8] ثم لما دعى أن يجعل لكل عضو من أعضائه نورا يهتدي به إلى كماله وأن يحيط به من جميع الجوانب فلا يخفى عليه شئ ولا ينسد عليه طريق: دعا أن يجعل له نورا به يستضئ الناس ويهتدون إلى سبل معاشهم ومعادهم في الدنيا والآخرة فدعا بإثبات النور فيها والمراد استعمالها بالصواب.
(اللهم أعظم لي نورا وأعطني نورا واجعل لي نورا) عطف عام على خاص أي اجعل لي نورا شاملا للأنوار السابقة وغيرها وهذا دعاء بدوام ذلك لأنه حاصل له وهو تعليم لأمته وفي رواية بدل اجعل لي نورا اجعلني نورا قال ابن عربي: دعا بجعل النور في كل عضو وكل عضو له دعوة بما خلقه الله عليه من القوة التي ركبها فيه وفطره عليها، ولما علم المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك دعا أن يجعل الله فيه علما وهدى ينفر الظلمة دعوة كل مدع من عالمه هذا ربط هذا الدعاء وآخر ما قال اجعلني نورا يقول اجعلني نورا يهتدي بي كل من رآني في ظلمات بر وبحر فأعطاه القرآن وأعطانا الفهم منه وهذا منحة في أعلى المنح في رتبة هي أسنى المراتب قال في الحكم النور جند القلب كما أن الظلمة جند النفس فإذا أراد الله أن ينصر عبدا أمده بجنود الأنوار وقطع عنه مدد الظلم والأغيار (سبحان الذي تعطف بالعز) أي تردى به بمعنى أنه اتصف بأنه يغلب كل شئ ولا يغالبه شئ لأن العزة كما قال الحراني الغلبة على كلية الظاهر والباطن ولفظ رواية السهيلي لبس العز بدل تعطف بالعز قال الزمخشري: العطاف والمعطف كالرداء والمردأ واعتطفه وتعطفه كارتداء وترداه وعطف الثوب رداؤه وسمي الرداء عطافا لوقوعه على عطفي الرجل وهما جانبا عنقه وهذا من المجاز المحكي نحو نهاره صائم والمراد وصف الرجل بالصوم ووصف الله بالعز ومثله قوله: يجر رباط الحمد في دار قومه أي هو محمود في قومه.
(وقال به) أي غلب به على كل عزيز وملك عليه أمره من القبل وهو الملك الذي ينفذ قوله فيما يريد انتهى، ذكره الزمخشري وفي الروض الأنف قد صرفوا من القيل فعلا فقالوا قال علينا فلان أي ملك والقيالة الإمارة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في تسبيحه الذي رواه عنه الترمذي سبحان الذي لبس العز وقال
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»