فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٤٤
في رؤية ما يريده وقد يقال للقضية التي تثبت عن رأي الرائي (وضعف عملي) عبادتي عن بلوغ مراتب الكمال (افتقرت إلى رحمتك) أي احتجت في بلوغ ذلك إلى شمولي برحمتك التي وسعت كل شئ (فأسألك) أي فبسبب ضعفي وافتقاري أطلب منك (يا قاضي الأمور) أي حاكمها ومحكمها. وفيه جواز إطلاق القاضي على الله تعالى (ويا شافي) مداوي (الصدور) يعني القلوب التي في الصدور من أمراضها التي إن توالت عليها أهلكتها هلاك الأبد (كما تجير) أي تفصل وتحجز (بين البحور) وتمنع أحدهما من الاختلاط بالآخر مع الاتصال وتكفه من البغي عليه مع الالتصاق (أن تجيرني) تمنعني (من عذاب السعير) بأن تحجزه عني وتمنعه مني (ومن دعوة الثبور) النداء بالهلاك (ومن فتنة القبور) فتنة سؤال منكر ونكير بأن ترزقني الثبات عند السؤال، قال الزمخشري: فإن قلت كيف يمكن أن يجعل نبيه في السعير حتى يطلب أن يجيره منه (قلت) يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله إظهارا للعبودية وتواضعا للرب وإخباتا له اه‍. وبه يعرف أنه لا دلالة في الخبر على سؤال الأنبياء في القبر.
(اللهم ما قصر عنه رأيي) أي اجتهادي في تدبيري (ولم تبلغه نيتي) أي تصحيحها في ذلك الشئ المطلوب (ولم تبلغه مسألتي) إياك (من) كل (خير وعدته أحدا من خلقك) أن تفعله مع أحد من مخلوقاتك من إنس وجن وملك، ولفظ رواية البيهقي عبادك بدل خلقك والإضافة للتشريف (أو خير أنت معطيه أحدا من عبادك) أي من غير مسابقة وعد له بخصوصه فلا يعد ما قبله تكرارا كما قد يتوهم (فإني راغب) أطلب منك بجد واجتهاد (إليك فيه) أي أجتهد في حصوله منك لي (وأسألك) زيادة على ذلك (من رحمتك) التي لا نهاية لسعتها (يا رب العالمين) الخلق كلهم وذكره تتميما لكمال الاستعطاف والابتهال وحذف حرف النداء في بعض الروايات.
(اللهم يا ذا الحبل الشديد) قال ابن الأثير: يرويه المحدثون بموحدة، والمراد القرآن أو الدين أو السبب ومنه * (واعتصموا بحبل الله جميعا) * [آل عمران: 103] وصفه بالشدة لأنه من صفات الحبال والشدة في الدين الثبات والاستقامة، وصوب الأزهري كونه بمثناة تحتية وهو القوة، واقتصر عليه الزمخشري جازما حيث قال: الحيل هو الحول، أبدل واوه ياء، وروى الكسائي لا حيل ولا قوة إلا بالله، والمعنى ذا الكيد والمكر الشديد من قوله تعالى * (وأكيد كيدا) * [الطارق: 16] * (ومكروا ومكر الله) * [آل عمران: 54] وقيل ذا القوة لأن أصل الحول الحركة والاستطاعة. اه‍. (والأمر الرشيد)
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»