فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٠٧
1395 - (أكثر ذكر الموت) في كل حال وعند نحو الضحك وعروض العجب وما أشبه ذلك آكد (فإن ذكره يسلبك) من السلو وهو الترك بلا ندامة. وفي تذكرة القرطبي قيل يا رسول الله، هل يحشر مع الشهداء أحد؟ قال: نعم. من يذكر الموت في اليوم والليلة عشرين مرة. وقال السدي في قوله تعالى: * (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) * [الملك: 2] أي أكثركم للموت ذكرا وله أحسن استعدادا ومنه أشد خوفا وحذرا (عما سواه لأن من يذكر أن عظامه تصير بالية وأعضاءه متمزقة هان عليه ما فاته من اللذات العاجلة وأهمه ما يجب عليه من طلب الآجلة. قال الراغب:
والذكر وجود الشئ في القلب أو في اللسان: وذلك أن الشئ له أربع وجودات: وجوده في ذاته ووجوده في قلب الإنسان ووجوده في لفظه ووجوده في كتابته، فوجوده في ذاته سبب لوجوده في القلب ووجوده في القلب سبب لوجوده في اللسان ولوجوده في الكتابة. وقد يقال للوجودين أي الوجود في القلب والوجود في اللسان الذكر ولا اعتداد بذكر اللسان ما لم يكن عن ذكر في القلب (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في ذكر الموت) أي كتابه المصنف فيما ورد من ذلك (عن سفيان) الثوري أحد أعلام الأمة وزهادها قالوا لم ير مثله (عن شريح) بضم المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية وبالمهملة ابن الحارث القاضي (مرسلا) ولاه عمر قضاء الكوفة سمع عمرو وعليا فهو تابعي.
1396 - (أكثروا ذكر هاذم) بذال معجمة قاطع أما بمهملة فمعناه مزيل الشئ من أصله (اللذات الموت) بجره عطف بيان وبرفعه مبتدأ محذوف وبنصبه بتقدير أعني، قال الطيبي: شبه اللذات الفانية والشهوات العاجلة ثم زوالها ببناء مرتفع ينهدم بصدمات هائلة ثم أمر المنهمك فيها بذكر الهاذم لئلا يستمر على الركون إليها ويشتغل عما عليه من التردد إلى دار القرار وفيه ندب ذكر الموت بل أكثريته لأنه أزجر للمعصية وأدعى للطاعة (ت ن ه ل هب عن أبي هريرة طس حل هب عن أنس) بن مالك (حل)، عن عمر بن الخطاب.
1397 - (أكثروا ذكر الله حتى يقولوا) يعني المنافقين ومن ألحق بهم فمن استولت عليهم الغفلات واستغرق في اللذات وترك الآخرة وراء ظهره وانهمك في فسقه في سره وجهره وإن مكثر الذكر (مجنون) وفي رواية لعبد بن حميد حتى يقال إنه مجنون أي لا تلتفتوا لعذلهم الناشئ عن مرض قلوبهم لعظم فائدة الذكر إذ به يستنير القلب ويتسع الصدر ويمتلئ فرحا وسرورا وشرف الذكر تابع لشرف المذكور وشرف العلم تابع لشرف المعلوم وشرف الشئ بسبب الحاجة إليه، وليست حاجة الأرواح
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»