فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٠٨
بشئ أعظم من ذكر بارئها والابتهاج به (تنبيه) قال في الأذكار لا إله إلا الله رأس الذكر ولذلك اختار السادة من صفوة هذه الأمة أهل تربية السالكين وتأديب المريدين قول إلا إله إلا الله لأهل الخلوة وأمرهم بالمداومة عليها وقالوا أنفع علاج في ذكر الوسوسة الإقبال على ذكر الله وإكثاره، وأخذ المؤلف من هذا الحديث ونحوه أن ما اعتاده الصوفية من عقد حلق الذكر والجهر به في المساجد ورفع الصوت بالتهليل لا كراهة فيه (1) ذكره في فتاويه الحديثية قال وقد وردت أخبار تقتضي ندب الجهر بالذكر وأخبار تقتضي الإسرار به والجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص كما جمع النووي به بين الأحاديث الواردة بندب الجهر بالقراءة والواردة بندب الإسرار بها (حم ع حب ك هب عن سعيد) الخدري رمز المصنف لصحته وهو فيه تابع لتصحيح الحاكم له وقد اقتصر الحافظ ابن حجر في أماليه على كونه حسنا وقال الهيثمي بعدما عزاه لأحمد وأبي يعلى فيه دراج ضعفه جمع وبقية رجال أحد إسنادي أحمد ثقات.
1398 - (أكثروا ذكر الله حتى يقول المنافقون إنكم مراؤون) أي إلى أن يقول إن إكثاركم لذكره إنما هو رياء وسمعة لا إخلاصا يعني أكثروا ذكره وإن رموكم بذلك فإنه لا يضركم كيدهم شيئا والله مع الصابرين الذاكرين (ص حم في الزهد) أي في كتاب الزهد له (هب عن أبي الجوزاء) بفتح الجيم وسكون الواو وبالزاي واسمه أوس بفتح الهمزة وسكون الواو ابن عبد الله الربعي بفتح الراء المشددة والموحدة تابعي كبير.
1399 - (أكثروا ذكر هاذم اللذات) قال الغزالي: أي نغصوا بذكره لذاتكم حتى ينقطع ركونكم إليها فتقبلوا على الله (فإنه) أي الموت (لا يكون في كثير) من الأمل والدنيا (إلا قلله) أي صيره قليلا (ولا في قليل) من العمل (إلا أجزله) أي صيره جليلا عظيما كثيرا فإن العبد إذا قرب من نفسه موته وتذكر حال أقرانه وإخوانه الذين عافصهم الموت في وقت لم يحتسبوا أثمر له ما ذكر قالوا هذا الحديث كلام مختصر وجيز قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة فإنه من ذكر الموت حقيقة ذكره نقص لذته الحاضرة ومنعه من تمنيها أجلا وزهده فيما كان حقيقة منها يؤمل لكن النفوس الراكدة والقلوب الغافلة تحتاج إلى تطويل الوعظ وتزويق الألفاظ وإلا ففي قوله عليه الصلاة والسلام أكثروا إلى آخره مع قوله تعالى:
* (كل نفس ذائقة الموت) * [آل عمران: 185] ما يكف السامع له ويشف الناظر فيه ومن ثم قال معبد الجهيني نعم مصلحة القلب ذكر الموت يطرد فضول الأمل ويكف عزب التمني ويهون المصائب ويحول

(1) هذا مردود بقوله (ص) (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشرائكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم) (الحديث.
(١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»