فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٧٠٢
(وحج) البيت (واعتمر) أي ائت بالحج والعمرة المفروضتين وهي مرة في العمر إن استطعت إليهما سبيلا ومن تطوع فهو خير له (وصم كل سنة (رمضان) حيث لا عذر (وانظر) أي تأمل وتدبر فهو من الرأي لا الرؤية (ما تحب للناس أن يؤتوه إليك) أي يعاملوك به (فافعله بهم) أي عاملهم به (وما تكره أن يأتوه إليك فذرهم) أي اتركهم (منه) أي من فعله بهم فإنك إن فعلت ذلك استقام لك الحال ونظروا إليك بعين الكمال والإجلال واستجلبت ودهم وأمنت شرهم، والأمر في الخمسة الأول للفرضية وفي الأخيرة للندب في المندوب والوجوب في الواجب، والقصد به الحث على مكارم الأخلاق والمحافظة على معالي الأمور والتحذير من سفسافها وأدانيها، والخطاب وإن وقع لواحد لكن المراد به كل مكلف ممن في زمنه ومن بعده (طب عن أبي المنتفق) العنبري صحابي روى عن أبيه رمز المصنف لحسنه.
1131 - (اعبد الله) مقصوده كما قال الحراني حمل الخلق على صدق التذلل أثر التطهير من رجسهم ليعود بذلك وصل ما انقطع وكشف ما انحجب ولما ظهر لهم خوف الزجر من زجر عبادة إله آخر أثبت لهم الأمر بالتفريد حيث قال (ولا تشرك به شيئا) أي لا تشرك معه في التذلل له شيئا أي شئ كان وهذا أول أقام الله من بناء الدين وجمع بينهما لأن الكفار كانوا يعبدونه في الصورة ويعبدون معه أوثانا يزعمون أنها شركاؤه (واعمل لله كأنك تراه) رؤية معنوية يعني كن عالما متيقظا لا ساهيا ولا غافلا وكن مجدا في العبودية مخلصا في النية آخذا أهبة الحذر فإن من علم أن له حافظا رقيبا شاهدا لحركاته وسكناته فلا يسئ الأدب طرفة عين ولا لمحة خاطر وهذا من جوامع الكلم وقال هنا اعمل لله وقال في حديث الصحيحين اعبد الله لأن العمل أعم فيشمل (واعدد نفسك في الموتى) وترحل عن الدنيا حتى تنزل بالآخرة وتحل فيها حتى تبقى من أهلها وأنك جئت إلى هذه الدار كغريب يأخذ منها حاجته ويعود إلى الوطن الذي هو القبر وقد قال علي كرم الله وجهه إن الدنيا قد ترحلت مدبرة والآخرة ترحلت مقبلة ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل انتهى، فكأنك بالموت وقد سقاك كأسه على غفلة فصرت من عسكر الموتى فنزل نفسك منزلة من قضى نحبه واترك الحرص واغتنم العمل وقصر الأمل ومن تصور في نفسه أنه يعيش غدا لا يهتم له ولا يسعى لكفايته فيصير حرا من رق الحرص والطمع والذل لأهل الدنيا قال ابن الجوزي إذا رأيت قبرا فتوهمه قبرك وعد باقي الحياة ربحا (واذكر الله تعالى عند كل حجر وكل شجر) أي عند مرورك على كل شئ من ذلك فالمراد ذكره على كل حال قال العارفون: ومن علامات صحة القلب أن لا يفتر عن ذكر ربه ولا يسأم من خدمته ولا يأنس بغيره ولما كان ذلك كله يرجح إلى الأمر بالتقوى والاستقامة وكمال ذلك لا يكون إلا لمن اتصف بالعصمة وحفظ عن كل وصمة وأما غيره فلا بد له من سقطة أو هفوة: أرشد إلى تدارك ما عساه يكون من الذنوب بقوله (وإذا
(٧٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 697 698 699 700 701 702 703 704 705 706 707 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة