فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٦٦٥
والأذى (ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء) لأن المعرفة كلما قويت بالمبتلى هان عليه البلاء وكلما نظر إلى الأجر الناشئ عنه سهل، فلا يسألون رفعة بل يحصل الترقي لبعضهم حتى يتلذذ بالضراء فوق تلذذ أحدنا بالسراء ويعد عدمه مصيبة. وفي تاريخ ابن عساكر: سبب قطع العارف أبي الخير المغربي الأقطع أنه عاهد الله أن لا يتناول لشهوة نفسه شيئا يشتهى، فرأى يوما كمام شجرة زعرور فأعجبته فقطع غصنا فذكر عهده فترك فرآه صاحب الشرطة فظنه لصا فقطعه فكان يقول قطعت عضوا فقطعت مني عضوا (ه ع ك عن أبي سعيد) الخدري قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو محموم فوضعت يدي من فوق القطيفة فوجدت حرارة الحمى فقلت ما أشد حماك يا رسول الله فذكره، قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي.
1058 - (أشد الناس حسرة) أي تلهفا (يوم القيامة: رجل أمكنه طلب العلم) الشرعي (فلم يطلبه) لما يراه من عظم إفضال الله على العلماء العاملين ومزيد رفعه لدرجاتهم، ولأن المصالح قسمان: روحانية وجسمانية، وأشرف المصالح الروحانية العلم الذي هو غذاء للروح كالغذاء للبدن، وأشرف المصالح الجسمانية تعديل المزاج وتسوية البنية، فإذا انكشف له الغطاء بالخروج من هذا العالم اشتدت ندامته وتضاعفت حسرته حيث آثر تعديل الفاني وأهمل معاناة النافع الباقي، قال الماوردي:
ربما امتنع من طلب العلم لتعذر المادة وشغله بالاكتساب ولا يكون ذلك إلا لذي شره رغيب وشهوة مستعبدة. فينبغي أن يصرف للعلم حظا من زمانه، فليس كل الزمن زمن اكتساب، ولا بد للمكتسب من أوقات راحة وأيام عطلة، ومن صرف كل نفس منه إلى الكسب حتى لم يترك له فراغا لغيره فهو من عبيد الدنيا وأسراء الحرص وربما منعه من العلم ما يظنه من صعوبته وبعد غايته ومخافة من قلة ذهنه وبعد فطنته. وهذا الظن اعتذار ذوي النقص وخشية أولي العجز. لأن الإخبار قبل الاختبار جهل، والخشية قبل الابتلاء عجز (ورجل علم علما فانتفع به من سمعه منه دونه) لكون من سمعه عمل به ففاز بسببه وهلك هو بعدم العمل به. والحديث ناع على من أمكنه التعلم فتركه تقصيرا وإهمالا، ومن علم ولم يعمل أو وعظ ولم يتعظ فمن سوء صنيعه وخبث نفسه وإن فعل فعل الجاهل بالشرع والأحمق الخالي عن العقل (تنبيه) خرج بكونه أمكنه طلب العلم: ما إذا لم يمكنه لنحو بلادة خلقية فإنه معذور، ولهذا قال حكيم: صقلك سيفا ليس له جوهر من سنخه خطأ، وحملك الصعب المشق على الرياضة غباوة. قال أبو تمام:
السيف ما لم يكن منه مصاقلة * من سنخه لم ينتفع بصقال (ابن عساكر عن أنس) بن مالك وقال إنه منكر.
1059 - (أشد الناس عليكم الروم وإنما هلكتهم) بالتحريك (مع الساعة) أي مع قيامها،
(٦٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 660 661 662 663 664 665 666 667 668 669 670 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة