(يبتلى الرجل) بيان للجملة الأولى والتعريف في الأمثل للجنس وفي الرجل للاستغراق في الأجناس المتوالية (على حسب دينه) أي بقدر قوة إيمانه وشدة إبقائه وضعف ذلك (فإن كان في دينه صلبا) أي قويا (اشتد بلاؤه) أي عظم للغاية (وإن كان في دينه رقة) أي ضعف ولين (ابتلي على قدر دينه) أي ببلاء هين لين، والبلاء في مقابلة النعمة كما مر، ومن ثم قيل لأمهات المؤمنين * (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا) * (فما يبرح البلاء بالعبد) أي الإنسان (حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة) كناية عن سلامته من الذنوب وخلاصه منها كأنه كان محبوسا فأطلق وخلي سبيله فهو يمشي وما عليه بأس، ومن ظن أن شدة البلاء هوان بالعبد فقد ذهب لبه وعمي قلبه فقد ابتلي من الأكابر ما لا يحصى. ألا ترى إلى ذبح نبي الله يحيى بن زكريا وقتل الخلفاء الثلاثة والحسين وابن الزبير وابن جبير، وقد ضرب أبو حنيفة وحبس ومات بالسجن. وجرد مالك وضرب بالسياط وجذبت يده حتى انخلعت من كتفه. وضرب أحمد حتى أغمي عليه وقطع من لحمه وهو حي وأمر بصلب سفيان فاختفى ومات البويطي مسجونا في قيوده ونفي البخاري من بلده إلى غير ذلك مما يطول (حم خ ت ه) وكذا النسائي (عن سعد) بن أبي وقاص وعزوه إلى البخاري تبع فيه ابن حجر في ترتيب الفردوس، قيل ولم يوجد فيه.
1055 - (أشد الناس بلاء في الدنيا نبي أو صفي) ولهذا قيل في حديث آخر: إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم. وسر ذلك قال الحراني إن من شأن الطين الذي منه البشر وما تولد منه أنه لا يخلص من الشوائب ويصفو عن الكدر إلا بعد معاناة شديدة. ألا ترى أن الذهب أصفاه وهو لا يخلص عن غش ما، ولا يعرى عن مخالطة الدنس بالكلية إلا بالامتحان بشدة النيران؟ قال القرطبي:
أحب الله أن يبتلي أصفياءه تكملا لفضائلهم ورفعة لدرجاتهم عنده وليس ذلك نقصا في حقهم ولا عذابا. بل كمال رفعة مع رضاهم بجميل ما يجريه الله عليم، وقال الجيلاني: إنما كان الحق يديم على أصفيائه البلايا والمحن ليكونوا دائما بقلوبهم في حضرته لا يغفلوا عنه لأنه يحبهم ويحبونه فلا يختارون الرخاء لأنه فيه بعدا عن محبوبهم، وأما البلاء فقيد للنفوس يمنعها من الميل لغير المطلوب، فإذا دام ذابت الأهوية وانكسرت القلوب فوجدوا الله أقرب إليهم من حبل الوريد كما قال تعالى في بعض الكتب الإلهية: أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي: أي على الكشف منهم والشهود، وإلا فهو عند كل عبد انكسر قلبه أم لا (تخ عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) أي عن بعضهم، رمز المصنف لحسنه.
1056 - (أشد الناس بلاء الأنبياء) قالوا ثم من؟ قال (ثم الصالحون) أي القائمون بما عليهم من حقوق الحق والخلق، قالوا ثم من؟ قال (ثم الأمثل فالأمثل) قال الراغب: الأمثل يعبر به عن