فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٦٦٤
الأشبه بالفضل والأقرب إلى الخير، وأماثل القوم كناية عن خيارهم. وقال الأمثل أفعل من التماثل، والجمع أماثل، وهم الفضلاء قال ابن عطاء الله: خرجت زوجة القرشي من عنده وهو وحده فسمعت رجلا يكلمه ثم انقطع كلامه، فدخلت عليه. فقالت ما عندك أحد والآن سمعت كلاما عندك. قال:
الخضر أتاني بزيتونة من أرض نجد فقال كل هذه ففيها شفاؤك. قلت اذهب أنت وزيتونتك لا حاجة لي فيها، وكان به داء الجذام (تنبيه) قال ابن عربي: هنا مسألة يجب بيانها: إن الله أحب أنبياءه وأولياءه، والمحب لا يؤلم محبوبه. ولا أحد أشد ألما ولا بلاء منهم، فمن أين استحقوا هذا مع كونهم محبوبين؟ قلنا إن الله قال * (يحبهم ويحبونه) * والبلاء لا يكون أبدا إلا مع الدعوى، فمن ادعى فعليه الدليل على صدق دعواه، فولا الدعوى ما وقع البلاء ولما أحب الله من عباده من أحب رزقهم محبته من حيث لا يعلمون فوجدوا في نفوسهم حبه فادعوه فابتلاهم من حيث كونهم محبوبين، فإنعامه دليل على صدق محبته فيهم وابتلاهم لما ادعوه من صدق حبهم إياه. فافهم. قال الطيبي: وثم فيه للتراخي والفاء للتعاقب على التوالي كما سبق، وإنما ألحق الصالحون بالأنبياء لقربهم وإن كانت درجتهم منحطة عنهم، وسره أن البلاء في مقابل النعمة، فمن كانت نعمة الله عليهم أكثر كان بلاؤهم عليه أشد، ومن ثم ضوعف حد الحر على العبد، وفيه دليل على أن القوي يحمل ما حمل والضعيف يرفق به لكن كلما قويت المعرفة بالمبتلى هان البلاء، ومنهم من ينظر إلى أهل البلاء فيهون عليه، وأعلى منه من يرى أن هذا تصرف المالك في ملكه فيسلم ولا يعترض، وأرفع منه من يشغله المحبة عن طلب رفع البلاء وأنهى المراتب من يلتذ به - (طب عن أخت حذيفة) بن اليماني فاطمة أو خولة، رمز المصنف لحسنه.
1057 - (أشد الناس بلاء الأنبياء) قالوا ثم من يا رسول الله؟ قال (ثم الصالحون) لأن أعظم البلاء سلب المحبوب وحمل المكروه والمحبوبات مسكون إليها، ومن أحب شيئا شغل به، والمكروه مهروب منه ومن هرب من شئ أدبر عنه، والأمثلون أحباء الله فيسلبهم محبوبهم في العاجل ليرفع درجتهم في الأجل (لقد) بلام التأكيد (كان أحدهم يبتلى بالفقر) الدنيوي الذي هو قلة المال وعدم المرافق (حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها) بجيم وواو فموحدة: أي يخرقها ويقطعها، وكل شئ قطع وسطه فهو مجبوب (فيلبسها) ومع ذلك يرى أن ذا من أعظم النعم عليه علما منه بأن المال ظل زائل وعارية مسترجعة وليس في كثرته فضيلة، ولو كان فيه فضيلة لخص الله به من اصطفاه لرسالته واجتباه لوحيه، وقد كان أكثر الأنبياء مع ما خصهم به من كرامته وفضلهم على سائر خلقه فقراء لا يجدون بلغة ولا يقدرون على شئ حتى صاروا في الفقر مثلا. قال البحتري:
فقر كفقر الأنبياء وغربة * وصبابة ليس البلاء بواحد (ويبتلي بالقمل) فيأكل من بدنه (حتى يقتله) حقيقة أو مبالغة عن شدة الضنا ومزيد النحول
(٦٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 659 660 661 662 663 664 665 666 667 668 669 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة