فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٥٨١
895 - (إذا وقع) أي سقط (الذباب) بذال معجمة، واحده ذبابة (في شراب أحدكم) ماءا أو غيره من المائعات، وفي رواية ابن ماجة: إذا وقع في الطعام، وفي أخرى: وقع في إناء أحدكم، والإناء يكون فيه كل مأكول ومشروب (فليغمسه) وفي رواية فليمقله زاد الطبراني: كله وفيه دفع توهم المجاز في الاكتفاء بغمس بعضه. والأمر إرشادي لمقابلة الداء بالدواء (ثم لينزعه) وفي رواية البخاري:
لينزعه - بزيادة فوقية قبل الزاي - وفي الطبراني: ثم ليطرحه، وفي البزار برجال ثقات: أنه يغمس ثلاثا مع قول بسم الله (فإن في إحدى) بكسر الهمزة وسكون الحاء (جناحيه) وهو الأيسر على ما قيل، وإنما قال إحدى: لأن الجناح يذكر ويؤنث لقولهم في جمعه أجنحة وأجنح، فأجنح جمع المذكر، وأجنحة جمع المؤنث (داء) أي قوة سمية يدل عليها الورم. والحكة العارضة عند لدغه وهي بمنزلة سلاحه فإذا سقط في شئ تلقاه بها. قال الزركشي: وداء منصوب اسم إن (وفي الأخرى) بضم الهمزة، قيل وهي اليمنى، وفي رواية: الآخر بالتذكير (شفاء) (1) حقيقة فأمر الشارع بمقابلة السمية بما في جناحه الأخر من الشفاء؟ ولا بعد في حكمة الله أن يجعلهما في جزء الحيوان الواحد كالعقرب بإبرتها السم ويداوي منه بجزء منها، فلا ضرورة للعدول عن الحقيقة هنا وجعله مجازا، كما وقع للبعض حيث جعله من الطب الروحاني بمعنى إصلاح الأخلاق وتقويم الطباع بإخراج فاسدها وتبقية صالحها. قال التوربشتي: ووجدنا لكون أحد جناحي الذباب داء والآخر دواء فيما أقامه الله لنا من عجائب خلقه وبدائع فطرته شواهد ونظائر، منها النحلة يخرج من بطنها شراب نافع وبث في إبرتها السم الناقع. والعقرب تهيج الداء بإبرتها، ويتداوى من ذلك بجرمها. وأما اتفاؤه بالجناح الذي فيه هذا الداء على ما ورد في رواية فإنه تعالى ألهم الحيوان بطبعه ما هو أعجب منه. فلينظر المتعجب من ذلك إلى النملة كيف تسعى لجمع القوت وتصون الحب على المدى وتجفف الحب إذا أثر فيه الندى ثم تقطع الحب لئلا ينبت وتترك الكزبرة بحالها لكونها لا تنبت وهي صحيحة. فتبارك الله وفيه أن الماء القليل والمائع لا ينجس بوقوع مالا نفس له سائلة فيه، إذ غمسه يفضي لموته. فلو نجسه لم يأمر به، لكن شرطه ألا يغير ولا يطرح، وبهذا أخذ الشافعي، ونوزع بأن المقل لا يوجب الموت، فهو للمنع عن العيافة، فإن سلم فإلحاق كل مالا نفس له سائلة به باطل إذ قد لا يعم وجوده، ورد الأول بأن المقل سبب للموت فلو نجس لم يأمر به، إذ مظنة النجاسة كالنجاسة، والثاني بأن سبب عفوه عدم الدم المتعفن فيطرد في كل ما اتصف به (خ ه عن أبي هريرة) 896 - (إذا وقعت في ورطة) أي بلية يعسر الخروج منها، وأصل الورطة: الهلاك، ثم استعمل في كل شدة وأمر شاق أي إذا وقعت في شدة وأردت الخلاص منها (فقل) ند ذلك ندبا (بسم الله الرحمن الرحيم) أستعين على التخلص من ذلك (ولا حول ولا قوة إلا بالله) قال الأكمل: الحول الحركة أي لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله، وقيل معناه لا حول في دفع الشر ولا استطاعة في جلب الخير
(٥٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 576 577 578 579 580 581 582 583 584 585 586 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة