فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٥٥
تنتهي إليه ثم يزول عذابها لقوله تعالى * (خالدين فيها إلا ما شاء ربك) (الأنعام: 128) (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض) (لابثين فيها أحقابا) (النبأ: 23) قال هؤلاء:
وليس في القرآن دلالة على بقاء النار وعدم فنائها إنما الذي فيه أن الكفار خالدون فيها وأنهم غير خارجين منها وأنهم لا يفتر عنهم العذاب وأنهم لا يموتون فيها وأن عذابهم فيها مقيم وأنه غرام لازم.
وهذا لا نزاع فيه بين الصحابة والتابعين إنما النزاع في أمر آخر وهو أن النار أبدية أو مما كتب عليه الفناء وأما كون الكفار لا يخرجون منها ولا يدخلون الجنة فلم يختلف فيه أحد من أهل السنة. وقد نقل ابن تيمية القول بفنائها عن ابن عمر وابن عمرو وابن مسعود وأبي سعيد وابن عباس وأنس والحسن البصري وحماد بن سلمة وغيرهم روى عبد بن حميد بإسناد رجاله ثقات عن عمر: لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه. وروى أحمد عن ابن عمرو بن العاص: " ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد " وحكاه البغوي وغيره عن أبي هريرة وغيره. وقد نصر هذا القول ابن القيم كشيخه ابن تيمية وهو مذهب متروك وقول مهجور لا يصار إليه ولا يعول عليه. وقد أول ذلك كله الجمهور وأجابوا عن الآيات المذكورة بنحو عشرين وجها وعما نقل عن أولئك الصحب بأن معناه ليس فيها أحد من عصاة المؤمنين أما مواضع الكفار فهي ممتلئة منهم لا يخرجون منها أبدا كما ذكره الله تعالى في آيات كثيرة. وقد قال الإمام الرازي: قال قوم إن عذاب الله منقطع وله نهاية واستدلوا بآية: * (لابثين فيها أحقابا) * وبأن معصية الظلم متناهية فالعقاب عليها بما لا يتناهى ظلم والجواب أن قوله " أحقابا " لا يقتضي أن له نهاية لأن العرب يعبرون به وبنحوه عن الدوام. ولا ظلم في ذلك لأن الكافر كان عازما على الكفر ما دام حيا فعوقب دائما فهو لم يعاقب بالدائم إلا على دائم فلم يكن عذابه إلا جزاء وفاقا - (حط في) كتاب (رواه مالك) أي في كتاب أسماه من روى عن مالك من وجهين من حديث عبد الله بن الحكم عن مالك عن نافع (عن) عبد الله (ابن عمر) بن الخطاب ومن حديث جامع ابن سوار عن زهير بن عباد عن أحمد بن الحسين اللهبي عن عبد الملك بن الحكم ورواه الدارقطني من هذين الوجهين في غرائب مالك. ثم قال: هذا حديث باطل وجامع ضعيف وكذا عبد الملك انتهى. وأقره عليه في اللسان. وقال في الفتح فيه عبد الملك وهو واه ورواه العقيلي من طريق ضعيف عن أنس. وما جرى عليه المؤلف من أن سياق الحديث هكذا هو ما وقفت عليه من خطه من نسخ هذا الكتاب. والثابت في رواية الخطيب خلافه ولفظه: آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة فيقول أهل الجنة: عند جهينة الخبر اليقين، سلوه هل بقي أحد من الخلائق يعذب؟
فيقول لا. انتهى. ومثله الدارقطني وهكذا أورده عنه المصنف في جامعه الكبير. ثم قال: قال الدارقطني باطل وأقره عليه. وقد أكثر المؤلف في هذا الجامع من الأحاديث الضعيفة. قال ابن مهدي: لا ينبغي الاشتغال بكتابة أحاديث الضعفاء فإن أقل ما يفوته أن يفوته بقدر ما كتب من حديث أهل الضعف من حديث الثقات. وقال ابن المبارك: لنا في صحيح الحديث شغل عن سقيمه اه‍. على أنه كان ينبغي له - أي المؤلف - أن يعقب كل حديث بالإشارة بحاله بلفظ صحيح أو حسن أو ضعيف في كل حديث فلو فعل ذلك كان أنفع وأصنع ولم يزد الكتاب به إلا وريقات لا يطول
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة