فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٥٩
قد أبيت لزوم الحياء فأنت أهل لأن يقال لك افعل ما شئت وتبعث عليه ويتبين لك فساد حالك أو هو على حقيقته ومعناه إذا كنت في أمورك آمنا من الحياء في فعلها لكونها على القانون الشرعي الذي لا يستحي منه أهله فاصنع ما شئت ولا عليك من متكبر يلومك ولا من متصلف يستعيبك فإن ما أباحه الشرع لا حياء في فعله. وعلى هذا الحديث مدار الإسلام من حيث إن الفعل إما أن يستحيا منه وهو الحرام والمكروه وخلاف الأولى واجتنابها مشروع أولا وهو الواجب والمندوب والمباح وفعلها مشروع وكيفما كان أفاد أن الحياء كان مندوبا إليه في الأولين كما أنه محثوث عليه في الآخرين وقد ثبت أنه شعبة من الإيمان أي من حيث كونه باعثا على امتثال المأمور وتجنب المنهي لا من حيث كونه خلقا فيه غريزة طبيعية لا يحتاج في كونها شعبة منه إلى قصد. قال الطبراني: وقد ذكر النووي أن قانون الشرع في معنى الحياء لا يحتاج إلى اكتساب ونية فينبغي حمل الحديث على هذا المعنى والقانون فيه أنك إذا أردت أمرا أو اكتساب فعل وأنت بين الإقدام والإحجام فيه فانظر إلى ما تريد أن تفعله فإن كان مما لا يستحيا منه من الله ولا من أنبيائه قديما وحديثا فافعله ولا تبالي من الخلق وإن استحيت منهم وإلا فدعه. فدخل الحديث إذا في جوامع الكلم التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم. وقد عده العسكري وغيره من الأمثال وقد نظم بعضهم معنى الحديث قال:
إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستحي فاصنع ما تشاء والحياء انقباض يجده الإنسان في نفسه يحمله على عدم ملابسة ما يعاب به ويستقبح منه ونقيضه التصلف في الأمور وعدم المبالاة بما يستقبح ويعاب وكلاهما جبلي ومكتسب لكن الناس ينقسمون في القدر الحاصل منهما على أقسام فمنهم من جبل على الكثير من الحياء ومنهم من جبل على القليل ومنهم من جبل على الكثير من التصلف ومنهم من جبل على القليل ثم إن أهل الكثير من النوعين على مراتب وأهل القليل كذلك فقد يكثر أهل النوعين حتى يصير نقيضه كالمعدوم ثم هذا الجبلي سبب في تحصيل المكتسب فمن أخذ نفسه بالحياء واستعمله فاز بالحظ الأوفر ومن تركه فعل ما شاء وحرم [خيري الدنيا والآخرة (ابن عساكر في تاريخه) تاريخ الشام (عن ابن مسعود) عقبة بن عمرو بن ثعلبة (البدري) الأنصاري قال البخاري وإسناده ضعيف لضعف فتح المصري لكن يشهد له ما رواه البيهقي في الشعب عن أبي مسعود المذكور بلفظ إن آخر ما بقي من النبوة الأولى والباقي سواء بل رواه البخاري عن ابن مسعود بلفظ إن مما أدرك الناس إلى آخر ما هنا.
7 - (آخر ما تكلم به إبراهيم) أعجمي معرب أصله إبراهام على ما نقل عن سيبويه لكن في القاموس إبراهيم وإبراهام وإبراهوم مثله الهاء وإبرهم بفتح الهاء بلا ألف اسم أعجمي. قال ابن الكمال: وعليه لا يكون إبراهيم معربا. وقال المحقق في شرح المختصر: إجماع أهل العربية على منع صرف إبراهيم ونحوه للعلمية والعجمة يوضح ما ذكرناه من وقوع المعرب فيه يعني القرآن (حين ألقي) بالبناء للمفعول أي ألقاه نمروذ (في النار) التي أعدها له ليحترق وكان عمره ستة عشر سنة
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة