فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٤٣
وهي لا تعم في الإثبات فلا يلزم دخول المرأة فيها منع بأنها تعم في سياق الشرط، نعم يعكر عليه قول ابن مالك في شرح العمدة إن عطف الخاص على العام يختص بالواو ولذلك ذهب بعضهم إلى أن الأجود جعل أو للتقسيم وجعلها قسما مقابلا للدنيا إيذانا بشدة فتنتها (فهجرته إلى ما هاجر إليه) من الدنيا والمرأة وإن كانت صورتها صورة الهجرة لله ولرسوله. وأورد الظاهر في الجملة الأولى تبركا والتذاذا بذكر الحق جل وعز ورسوله عليه السلام تعظيما لهما بالتكرار وتركه هنا حثا على الإعراض عن الدنيا والنساء وعدم الاحتفال بشأنهما وتنبيها على أن العدول عن ذكرهما أبلغ في الزجر عن قصدهما. فكأنه قال إلى ما هاجر إليه وهو حقير لا يجدي ولأن ذكرهما يحلو عند العامة فلو كرر ربما علق بقلب بعضهم فرضي به وظنه العيش الكامل فضرب عنهما صفحا لذلك وذم قاصد أحدهما وإن قصد مباحا لكونه خرج لطلب فضيلة الهجرة ظاهرا وأبطن غيره فالمراد بقرينة السياق ذم من هاجر لطلب المرأة بصورة الهجرة الخالصة فمن طلب الدنيا أو التزوج مع الهجرة بدون ذلك التمويه أو طلبهما لا على صورة الهجرة فلا يذم بل قد يمدح إذا كان قصده نحو إعفاف، وقد نبه بالدنيا والمرأة على ذم الوقوف مع حظ النفس والعمل عليه فمعنى " هجرته إلى الله ورسوله " الارتحال من الأكوان إلى المكون ومعنى: " هجرته إلى ما هاجر إليه " البقاء مع الأكوان والشغل بها ففيه تلويح بأنه ينبغي للسالك كونه عالي الهمة والنية فلا يلتفت إلى غير المكون كما أفصح عنه في الحكم حيث قال: العجب ممن يهرب مما لا انفكاك له عنه ويطلب ما لا بقاء له معه فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، لا ترحل من كون إلى كون فتكون كحمار الرحى يسير والذي ارتحل إليه هو الذي ارتحل عنه ولكن ارحل من الأكوان (قال بعض المحققين: الأكوان كلها متساوية في كونها أغيار وإن كان بعضها أنوار، وتمثيله بحمار الرحى مبالغة في تقبيح حال العاملين على رؤية الأغيار اه‍ إلى المكون كما أفصح عنه قوله تعالى * (وأن إلى ربك المنتهى) * وانظر إلى قوله " فمن كانت هجرته " إلى آخره. وهذا الحديث أصل في الإخلاص ومن جوامع الكلم التي لا يخرج عنها عمل أصلا ولهذا تواتر النقل عن الأعلام بعموم نفعه وعظم وقعه. قال أبو عبيد: ليس في الأحاديث أجمع ولا أغنى ولا أنفع ولا أكثر فائدة منه واتفق الشافعي وأحمد وابن المديني وابن مهدي وأبو داود والدارقطني وغيرهم على أنه ثلث العلم ومنهم من قال ربعه. ووجه البيهقي كونه ثلثه بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه فالنية أحد أقسامها وأرجحها لأنها قد تكون عبادة مستقلة وغيرها محتاج إليها ومن ثم يأتي في حديث: " نية المؤمن خير من عمله " وكلام الإمام أحمد يدل على أنه أراد بكونه ثلث العلم أنه أحد القواعد الثلاث يرد إليها جميع الأحكام عنده فإنه قال: أصول الإسلام تدور على ثلاثة أحاديث " الأعمال بالنية ". و " من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ". و " الحلال بين والحرام بين ". وقال أبو داود: مدار السنة على أربعة أحاديث حديث " الأعمال بالنية ". وحديث " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ". وحديث " الحلال
(٤٣)
مفاتيح البحث: الكسب (1)، المنع (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 49 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة