فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٥٠
وإزالة غلقه يعني بالقرع لا بالصوت كما يرشد إليه خبر أحمد: " آخذ بحلقة الباب فأقرع " وخبر البخاري عن أنس: " أنا أول من يقرع باب الجنة " والفاء سببية أي يتسبب عن الإتيان الاستفتاح ويحتمل جعلها للتعقيب بل هو القريب. فإن قلت ما وجهه؟ قلت: الإشارة إلى أنه قد أذن له من ربه بغير واسطة أحد لا خازن ولا غيره، وذلك أن من ورد باب كبير فالعادة أن يقف حتى ينتهي خبره إليه ويستأمر فإن أذن في إدخاله فتح له. فالتعقيب إشارة إلى أنه قد صانه ربه عن ذل الوقوف وأذن له في الدخول قبل الوصول بحيث صار الخازن مأموره منتظرا لقدومه (فيقول الخازن) أي الحافظ وهو المؤتمن على الشئ الذي استحفظه، والخزن حفظ الشئ في الخزانة، ثم عبر به عن كل حفظ، ذكره الراغب، سمي الموكل بحفظ الجنة خازنا لأنها خزانة الله تعالى أعدها لعباده، وأل فيه عهدية والمعهود رضوان وظاهره أن الخازن واحد وهو غير مراد بدليل خبر أبي هريرة: " من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب هلم " فهو صريح في تعدد الخزنة إلا أن رضوان أعظمهم ومقدمهم، وعظيم الرسل إنما يتلقاه عظيم الحفظة (من أنت) أجاب بالاستفهام وأكده بالخطاب تلذذا بمناجاته وإلا فأبواب الجنة شفافة وهو العلم الذي لا يشتبه والمتميز الذي لا يلتبس وقد رآه رضوان قبل ذلك وعرفه ومن ثم اكتفى بقوله (فأقول محمد) وإن كان المسمى به كثيرا. فإن قلت ينافي كون أبواب الجنة شفافة خبر أبي يعلى عن أنس " أقرع باب الجنة فيفتح لي باب من ذهب وحلقه من فضة " قلت: ما في الجنة لا يشبه ما في الدنيا إلا في مجرد الاسم كما في خبر يأتي، فلا مانع من كون ذهب الجنة شفافا فتدبر. ثم إنه لم يقل أنا لإيهامه مع ما فيه من الإشعار بتعظيم المرء نفسه وهو سيد المتواضعين، وهذه الكلمة جارية على ألسنة الطغاة المتجبرين إذا ذكروا مفاخرهم وزهوا بأنفسهم، قال في المطامح: وعادة العارفين المتقين أن يذكر أحدهم اسمه بدل قوله: " أنا " إلا في نحو إقرار بحق فالضمير أولى. وقال ابن الجوزي: أنا لا يخلو عن نوع تكبر كأنه يقول أنا لا أحتاج إلى ذكر اسمي ولا نسبي لسمو مقامي. وقال بعض المحققين: ذهب طائفة من العلماء وفرقة من الصوفية إلى كراهة إخبار الرجل عن نفسه بقوله أنا تمسكا بظاهر الحديث حتى قالوا كلمة أنا لم تزل مشؤومة على أصحابها وأرادوا أن إبليس اللعين إنما لعن بقولها وليس كما أطلقوا بل المنهي عنه ما صحبه النظر إلى نفسه بالخيرية كما نقرر. ولا ننكر إصابة الصوفية في دقائق علومهم وإشاراتهم في التبرئ من الدعاوى الوجودية لكنا نقول إن الذي أشاروا إليه بهذا راجع إلى معان تتعلق بأحوالهم دون ما فيه التعلق بالقول، كيف وقد ناقض قولهم نصوص كثيرة وهم أشد الناس فرارا عن مخالفتها كقوله تعالى حكاية عنه عليه الصلاة والسلام: " إنما أنا بشر مثلكم "، " وأنا أول المسلمين "، " وما أنا من المتكلفين " وخبر " أنا سيد ولد آدم ": قال بعض العارفين، والحاصل أن ذلك يتفاوت بتفاوت المقامات والأحوال فالمتردد في الأحوال المتجول في الفناء والتكوين ينافي حاله أن يقول أنا ومن رقى إلى مقام البقاء بالله وتصاعد إلى درجات التمكين فلا يضره. انتهى. وأما من ليس من هذه الطائفة فقد قال النووي: لا بأس بقوله أنا الشيخ فلان أو القاضي فلان إذا لم يحصل التمييز إلا به وخلا عن الخيلاء والكبر والزهو، والقول عبارة عن جملة ما يتكلم به المتكلم على وجه الحكاية. ذكره جمع. وقال
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة