فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٥١
القاضي: هو التلفظ بما يفيد ويقال للمعنى المتصور في النفس المعبر عنه باللفظ ويقال للمذهب والرأي مجازا وأصله قول الزمخشري من المجاز هذا قول فلان أي ورأيه ومذهبه (فيقول بك) قيل الباء متعلقة بالفعل بعدها ثم هي سببية قدمت للتخصيص أي بسببك (أمرت) بالبناء للمفعول والفاعل هو الله (أن لا أفتح) كذا في نسخة المؤلف بخطه وهكذا ذكره في جامعه الكبير والذي وقفت عليه في نسخ مسلم الصحيحة المقروءة " لا أفتح " بإسقاط أن (لأحد) من الخلائق (قبلك) لا بسبب آخر وقبل الباء صلة للفعل: " وأن لا أفتح " بدل من الضمير المجرور أي أمرت بفتح الباب لك قبل غيرك من الأنبياء وفي رواية: " ولا أقوم لأحد بعدك " وذلك لآن قيامه إليه خاصة إظهارا لمرتبته ومزيته ولا يقوم في خدمة أحد غيره بل خزنة الجنة يقومون في خدمته وهو كالملك عليهم وقد أقامه الله في خدمته صلى الله عليه وسلم حتى مشى إليه وفتح له " وأحد " يستعمل في النفي فيكون لاستغراق جنس الناطقين وتناول القليل والكثير على طريق الاجتماع والافتراق. وعلم من السياق أن طلب الفتح إنما هو من الخازن وإلا لما كان هو المجيب. فإن قلت ورد عن الحسن وقتادة وغيرهما أن أبواب الجنة يرى ظاهرها من باطنها وعكسه وتتكلم وتعقل ما يقال لها انفتحي انغلقي كما نقله ابن القيم وغيره فلم طلب الفتح من الخازن ولم يطلبه منها بلا واسطة؟ قلت: الظاهر أنها مأمورة بعدم الاستقلال بالفتح والغلق وأنها لا تستطيع ذلك إلا بأمر عريفها المالك لأمرها بإذن ربها وإنما يطالب بما يراد من القوم عرفاؤهم. فإن قلت: ما فائدة جعل الخازن للجنات مع أن الخزن إنما يكون في المتعارف حفظا لما يخاف ضياعه أو تلفه أو تطرق النقص إليه فيفوت كله أو بعضه على صاحبه والجنة لا يمكن فيها ذلك؟ قلت: إن خزن ملائكة الجنة نعيمها إنما يكون لأهلها فكل منهم يجعل إليه مراعاة قسط معلوم من تلك النعم لمن أعد له حتى إذا وافى الجنة كان الخازن هو الممكن له منه فخزنه إياه قبل التسليم هو مقامه على ملاحظة ما جعل سبيله وانتظار من أهل له وإيصاله إليه فهذا هو المراد لا حفظها من أحد يخاف منه عليها ذكره الحليمي. فإن قلت: ما ذكر من أن رضوان هو متولي الفتح يعارضه خبر أبي نعيم والديلمي: " أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة فيفتحها الله عز وجل لي " قلت: لا معارضة فإن الله تعالى هو الفاتح الحقيقي وتولي رضوان ذلك إنما هو بإقداره وتمكينه. ثم إن ظاهر الحديث استشكل بأن الزمخشري والقاضي ذكرا أن أبواب الجنة تفتح لأهلها قبل مجيئهم بدليل: * (جنات عدن مفتحة لهم الأبواب) (ص: 5) ووجهه الإمام الرازي بأنه يوجب السرور والفرح حيث نظروا الأبواب مفتحة من بعد وبأنه يوجب الخلاص من ذل الوقوف للاستفتاح. وأجيب أولا بخروج المصطفى ومن تبعه عن سياق الآية. واعترض بأنه خلاف الظاهر بلا ضرورة، وثانيا بأن الجملة الحالية قيد لمجئ المجموع فيكون مقتضاها تحقق الفتح قبل مجئ الكل فلا ينافي تأخره عن مجئ إنسان واحد أو زمرة واحدة. ونوزع بأن فعل الجمع إذا قيد بزمن فالمفهوم المتبادر منه أنه زمن لصدور الفعل عنهم فإنا إذا قلنا زيد وعمرو وبكر ضربوا بعد الطلوع لم يفهم منه إلا صدور الضرب عنهم في ذلك الزمن حتى لو ضرب واحد منهم قبله رمى بالكذب وثالثا بأن المراد بالأبواب في الآية أبواب المنازل التي في الجنة لا أبواب الجنة المحيطة بالكل والمراد في الحديث باب نفس الجنة المحيطة ونوقش بأن الجنة والنار حيث وقعا في القرآن معا مفردين أو
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة