فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٥٢
متقابلين فالمراد منهما أصلهما، ورابعا بأنا لا نسلم دلالة الآية على تقدم الفتح إذ لو فتح عند إتيانهم صح. إذ الجنان مفتحة لهم أبوابها، غايته أن المدح في الأول أبلغ وبأن اسم المفعول العامل إذ كان بمعنى الاستقبال فعدم الدلالة ظاهر، إذ المعنى ستفتح لهم وكذا إن كان هو بمعنى الحال مريدا به حال الدخول وإن أريد به حال التكلم ففيه بعد. وخامسا قال بعض المحققين وهو أحسنها إن أبوابها تفتح أولا بعد الاستفتاح من جمع ويكون مقدما بالنسبة إلى البعض كما يقتضيه خبر: " إن الأغنياء يدخلون الجنة بعد الفقراء بخمسمائة عام " والظاهر أنها بعد الفتح للفقراء لا تغلق، وسادسا بأن الجنة لكونها دار الله ومحل كرامته ومعدن خواصه إذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى مالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه بأولي العزم فكلهم يحجم حتى تقع الدلالة على أفضلهم فيأتي إلى العرش ويخر ساجدا لربه فيدعه ما شاء الله أن يدعه ثم يأذن له في الرفع وأن يسأل حاجته فيشفع في فتحها فيشفعه تعظيما لخطرها وإظهارا لمنزلته عنده ودفعا لتوهم الغبي أنها كالجنان التي يدخلها من شاء، ولا يعارضه: " مفتحة لهم الأبواب " لدلالة السياق على أن المعنى أنهم إذا دخلوها لم تغلق أبوابها عليهم بل تبقى مفتحة إشارة إلى تصرفهم وذهابهم وإيابهم ودخول الملائكة عليهم من كل باب بالتحف والألطاف من ربهم وإلى أنها دار أمن لا يحتاجون فيها إلى غلق الأبواب كما كانوا في الدنيا فلا تدافع بين الآية والخبر. ثم إن الأولية في الحديث لا تشكل بإدريس حيث أدخل الجنة بعد موته وهو فيها كما ورد لآن المراد الدخول التام يوم القيامة وإدريس يحضر الموقف للسؤال عن التبليغ ولا بأن السبعين ألفا الداخلين بغير حساب يدخلون قبله لأن دخولهم بشفاعته فينسب إليه، واعترض بأن التعبير بسبعين ألفا فيه قصور لثبوت الزيادة هو القصور لأن العرب تريد به المبالغة في التكثير ومثله غير كثير، ألا ترى إلى ما ذكره المفسرون: * (في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا) * ولا بخبر أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: " بم سبقتني فما دخلت الجنة إلا سمعت خشخشتك أمامي " لأنها رؤية منام ولا يقدح فيه أن رؤيا الأنبياء حق إذ معناه أنها ليست من الشيطان وبلال مثل له ماشيا أمامه إشارة إلى أنه استوجب الدخول لسبقه للإسلام وتعذيبه في الله وأن ذلك صار أمرا محققا وقد أشار إلى ذلك السمهودي فقال في حديث بلال إنه يدخل الجنة قبل المصطفى وإنما رآه أمامه في منامه والمراد منه سريان الروح في حالة النوم في تلك الحالة تنبيها على فضيلة عمله، وأما الجواب بأن دخوله كالحاجب به إظهارا لشرفه فلا يلائم السياق إذ لو كان كذلك لما قال له " بم سبقتني " وليت شعري ما يصنع من أجاب به بخبر أبي يعلى وغيره: " أول من يفتح له باب الجنة أنا إلا أن امرأة تبادرني فأقول مالك أو من أنت؟ فتقول أنا امرأة قعدت على يتامى " وخبر البيهقي " أول من يقرع باب الجنة عبد أدى حق الله وحق مواليه " وأقول هذه أجوبة كلها لا ظهور لها ولا حاجة إليها، إذ ليس في هذا الخبر إلا أنه أول من يفتح له الباب وليس فيه أنه أول داخل بل يحتمل أنه يستفتح لهم ويقدم من شاء من أمته في الدخول كما هو المتعارف في الدنيا، فإن أبيت إلا جوابا على فرض أنه أول داخل وهو ما ورد في أحاديث أخرى فدونك جوابا يثلج الفؤاد بعون الرؤوف الجواد وهو أنه قد ثبت في خبر مسدد أن دخول المصطفى يتعدد فالدخول الأول لا يتقدم ولا يشاركه فيه أحد ويتخلل بينه وبين ما بعده دخول غيره فقد روى الحافظ ابن منده بسنده عن أنس
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة