فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٣٥١
419 - (إذا أردت) أي هممت (أن تذكر عيوب غيرك) أي تتكلم بها أو تحدث بها نفسك (فاذكر عيوب نفسك) أي تذكرها واستحضرها في ذهنك وأجرها على قلبك مفصلة عيبا عيبا فإن ذلك يكون مانعا لك من الوقيعة في الناس، وعلم مما تقرر أنه ليس المراد إباحة ذكر عيوب الناس بل أن يشتغل ب ذكر عيوب نفسه فقلما يخلو عن عيب فإذا ذكرها واشتغل بمعاتبتها وتوبيخها منعه من ذكر عيوب الناس قال ذو النون: من نظر في عيوب الناس عمي عن عيوب نفسه ومن اهتم بأمر الجنة والنار شغل عن القيل والقال. قال ابن عربي: فلا تداهن نفسك بإخفاء عيبك وإظهار عذرك فيصير عدوك أحظر لك في زجر نفسه بإنكارك من نفسك التي هي أخص بك، فهذب نفسك بإنكار عيوبك وانفعها كنفعك لعدوك فإن لم يكن له من نفسه واعظ لم تنفعه المواعظ. قال: ومن عيب الناس بما يكرهون وإن كان حقا دل على جهله وسوء طباعه وقلة حيائه من الله تعالى فإنه قلما سلم في نفسه من عيب فلو اشتغل بالنظر في عيوب نفسه شغله ذلك عن عيوب غيره ومن تتبع أمور الناس اشتغل بما لا يعنيه ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه (تنبيه) قال في الحكم: تشوفك إلى ما بطن فيك من العيوب خير لك من تطلعك إلى ما حجب عنك من الغيوب (الرافعي) إمام الدين (في تاريخ قزوين عن ابن عباس) ورواه البخاري في الأدب المفرد عنه موقوفا وكذا البيهقي في الشعب.
420 - (إذا أسأت) أي عملت سيئة (فأحسن) بفتح الهمزة أي قابل الفعلة السيئة بخصلة حسنة كأن تقابل الخشونة باللين والغضب بالكظم والسورة بالأناة وقس عليه ذكره الزمخشري وشاهده أن الحسنات يذهبن السيئات وهذا إشارة إلى أن الإنسان مجبول على الشهوات ومقتضى البهيمية والسبعية والملكية فإذا ارتكب من تلك الرذائل رذيلة يطفيها بمقتضى الملكية: أتبع السيئة الحسنة تمحها، ومن البين أن الكبيرة لا يمحوها إلا التوبة. قال الراغب: والحسنة يعبر بها عن كل ما يسر من نعمة تنال المرء في نفسه وبدنه والسيئة تضادها وهما من الألفاظ المشتركة كالحيوان الواقع على أنواع مختلفة (ك هب عن ابن عمرو) بن العاص قال أراد معاذ بن جبل سفرا فقال يا رسول الله أوصني فذكره ورواه عنه أيضا الطبراني وغيره.
421 - (إذا استأجر أحدكم) أي أراد أن يستأجر (أجيرا فليعلمه) لزوما ليصح العقد (أجره) أي يبين قدر أجرته وقدر العمل ليكون على بصيرة ويكون العقد صحيحا ونبه بذلك على أن من أركان الإجارة ذكر الأجرة وكونها مقدرة فمن عمل لغيره عملا بلا معاقدة ولا تعيين أجرة فإن ذكر مقتضيا لها كاقصر هذا الثوب وأنا أرضيك فله أجرة المثل وإن لم يذكر مقتضيا فلا أجرة له وإن اعتاد العمل بها
(٣٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة