قيد التمكن احترازا عن فعل العاجز والملجأ فإنه لا يوصف بقبح ولا حسن وقيد العلم ليخرج عنه المحرمات الصادرة عمن لم تبلغه دعوة نبي أو عمن هو قريب العهد بالإسلام واكتفى بالتمكن من العلم ليدخل فيه الكفر ممن في شاهق الجبل فإنه متمكن من العلم بالله تعالى بالدلائل العقلية وأراد بقوله أوليس له أن يفعله أن الإقدام عليه لا يلائم عقل العقلاء ويتبعه أو يتبع هذا التعريف المذكور للقبيح تعريفان آخران له أحدهما أنه فعل يستحق الذم فاعله المتمكن منه ومن العلم بحاله وذلك أنه لم يكن له أن يفعله وثانيهما أنه فعل هو على صفة تؤثر في استحقاق الذم إذ لو لم يكن كذلك لكان للقادر العالم به أن يفعله والذم قول أو فعل أو ترك قول أو فعل ينبئ عن اتضاع حال الغير وانحطاط شأنه وإذا تصورت هذا التحرير تقول لنا على أن الحسن والقبح ليسا عقليين وجهان الأول أن العبد مجبور في أفعاله وإذا كان كذلك لم يحكم العقل فيها بحسن ولا قبح لأن ما أوليس فعلا اختياريا لا يتصف بهذه الصفات اتفاقا منا ومن الخصوم بيانه أي بيان كونه مجبورا أن العبد إن لم يتمكن من الترك فذاك هو الجبر لأن الفعل حينئذ واجب والترك ممتنع وإن تمكن من الترك ولم يتوقف وجود الفعل منه على مرجح بل صدر عنه تارة ولم يصدر عنه أخرى من غير سبب يرجح وجوده على عدمه كان ذلك الفعل حينئذ اتفاقيا صادرا بلا سبب يقتضيه فلا لا يكون اختياريا لأن الفعل الاختياري لا بد له من إرادة جازمة ترجحه وإن توقف وجود الفعل منه على مرجح لم يكن ذلك المرجح من العبد وإلا نقلنا الكلام إلى صدور ذلك المرجح عنه وتسلسل وهو محال ووجب الفعل عنده أي عند المرجح الذي يتوقف عليه وإلا جاز معه الفعل والترك واحتاج حينئذ إلى مرجح آخر إذ لو لم يحتج إليه وصدر عنه تارة ولم يصدر عنه أخرى كان اتفاقيا كما
(٢٧١)