المواقف - الإيجي - ج ٣ - الصفحة ٢٧٠
وهذا المعنى الثالث هو محل النزاع فهو عندنا شرعي وذلك لأن الأفعال كلها سواسية أوليس شيء منها في نفسه بحيث يقتضي مدح فاعله وثوابه ولا ذم فاعله وعقابه وإنما صارت كذلك بواسطة أمر الشارع بها ونهيه عنها وعند المعتزلة عقلي فإنهم قالوا للفعل في نفسه مع قطع النظر عن الشرع جهة محسنة مقتضية لاستحقاق فاعله مدحا وثوابا أو مقبحة مقتضية لاستحقاق فاعله ذما وعقابا ثم إنها أي تلك الجهة المحسنة أو المقبحة قد تدرك بالضرورة من غير تأمل وفكر كحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار فإن كل عاقل يحكم بهما بلا توقف وقد تدرك بالنظر كحسن الصدق الضار وقبح الكذب النافع مثلا وقد لا تدرك بالعقل لا بالضرورة ولا بالنظر ولكن إذا ورد به الشرع علم أنه ثمة جهة محسنة كما في صوم آخر يوم من رمضان حيث أوجبه الشارع أو جهة مقبحة كصوم أول يوم من شوال حيث حرمه الشارع فإدراك الحسن والقبح في هذا القسم موقوف على كشف الشرع عنهما بأمره ونهيه وأما كشفه عنهما في القسمين الأولين فهو مؤيد لحكم العقل بهما إما بضرورته أو بنظره ثم أنهم اختلفوا فذهب الأوائل منهم إلى أن حسن الأفعال وقبحها لذواتها لا لصفات فيها تقتضيهما وذهب بعض من يعدم من المتقدمين إلى إثبات صفة حقيقة توجب ذلك مطلقا أي في الحسن والقبح جميعا فقالوا أوليس حسن الفعل أو قبحه لذاته كما ذهب إليه من تقدمنا من أصحابنا بل لما فيه من صفة موجبة لأحدهما وذهب أبو الحسين من متأخريهم إلى إثبات صفة في القبيح مقتضية لقبحه دون الحسن إذ لا حاجة به إلى صفة محسنة له بل يكفيه لحسنه انتفاء الصفة المقبحة وذهب الجبائي إلى نفيه أي نفي الوصف الحقيقي فيهما مطلقا فقال أوليس حسن الأفعال وقبحها لصفات حقيقية فيها بل لوجوه اعتبارية وأوصاف إضافية تختلف بحسب الاعتبار كما في لطمة اليتيم تأديبا وظلما وأحسن ما نقل عنهم في العبارات الحدية قول أبي الحسين القبيح ما أوليس للمتمكن منه ومن العلم بحاله أن يفعله اعتبر
(٢٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 ... » »»