قلنا اهتداء العقل إلى المصالح والمفاسد أوليس من المقصود في شيء كما مر وقد يحتج بلزوم إفحام الأنبياء وقد مر في باب النظر تفريع إذا ثبت أن الحاكم بالحسن والقبح هو الشرع ثبت أن لا حكم للأفعال قبل الشرع وأما المعتزلة فقالوا ما يدرك جهة حسنه أو قبحه بالعقل ينقسم إلى الأقسام الخمسة لأنه إن اشتمل تركه على مفسدة فواجب أو فعله فحرام وإلا فإن اشتمل فعله على مصلحة فمندوب أو تركه فمكروه وإلا فمباح وأما ما لا يدرك جهته بالعقل فلا يحكم فيه بحكم خاص تفصيلي في فعل فعل وأما على سبيل الإجمال فقيل بالحذر والإباحة والتوقف دليل الحذر أنه تصرف في ملك الغير بلا إذنه فيحرم كما في الشاهد الجواب الفرق بتضرر الشاهد دليل الإباحة وجهان أحدهما أنه تصرف لا يضر المالك فيباح كالاستظلال بجدار الغير والاقتباس من ناره والنظر في مرآته الجواب أن الأصل ثبت بالشرع وحكم العقل فيه بالمعنى المتنازع فيه ممنوع ثانيهما أنه تعالى خلق العبد وخلق الشهوة فيه وخلق المنتفع به فالحكمة تقتضي إباحته وكيف يدرك تحريمه بالعقل وما هو إلا كمن يغترف غرفة من بحر لا ينزف ليدفع به عطشه المهلك أترى العقل يحكم بمنع أكرم الأكرمين منه وتكليفه التعرض للهلاك كلا والجواب ربما خلقه ليصبر عنه فيثاب أو لغرض آخر لا نعلمه وأما التوقف فيفسر تارة بعدم الحكم ومرجعه الإباحة إذ ما لا منع منه فمباح إلا أن يشترط الإذن فيرجع إلى كونه شرعيا وتارة بعدم العلم وهذا أمثل لا لتعارض الأدلة بل لعدم الدليل
(٢٦٧)