عنده كما قال بعض أصحابه كإمام الحرمين وفي كونه مانعا من حكم العقل الحسن والقبح عند الخصم فإذا كان داعية إلى الاختيار الموجب للفعل من فعل الله فقد تم مطلوبنا الثاني من الوجهين وإنما ينتهض حجة على غير الجبائي لو كان قبح الكذب ذاتيا أي لذاته أو لصفة لازمة لذاته لما تخلف القبح عنه لأن ما بالذات وكذا ما هو بواسطة لازم الذات لا يزول عن الذات وهو ظاهر واللازم باطل فإنه أي الكذب قد يحسن إذا كان فيه عصمة دم نبي من ظالم بل يجب الكذب حينئذ لأنه دفع للظالم على المظلوم ويذم تاركه فيه قطعا فقد اتصف الكذب بغاية الحسن وكذا يحسن بل يجب إذا كان فيه إنجاء متوعد بالقتل ظلما لا يقال الحسن والواجب هو العصمة والإنجاء وقد يحصلان بدون الكذب إذ يمكن أن يأتي بصورة الخبر بلا قصد إلى الإخبار أو يقصد بكلامه معنى آخر بطريق التعريض والتورية فلا يكون كاذبا في نفس الأمر ومن ثمة قيل إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب وإذا لم يتعين الكذب للدفع كان الإتيان به قبيحا لا حسنا لأنا نقول قد يضيق السائل عليه في السؤال بحيث لا يمكنه عدم القصد والتعريض ولو جوز حمل كلامه في مثل هذا المقام على عدم القصد بالكلية أو على قصد أي معنى كان لم يحصل الجزم بالقصد في شيء من الإخبار ولا يكون شيء منها كذبا إذ لا كلام إلا ويمكن أن يقدر فيه من الحذف والزيادة ما يصير معه وإذا حسن الكذب ههنا قبح الصدق لأنه إعانة للظالم على ظلمه فلا يكون حسن الصدق أيضا ذاتيا وكذا الحال في سائر الأفعال وللأصحاب في إبطال التحسين والتقبيح العقليين مسالك ضعيفة نذكرها ونشير إلى وجه ضعفها أحدها من قال لأكذبن غدا فإذا جاء الغد فكذبه إما حسن فليس
(٢٧٥)