الثالث قوله * (وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه) * وهارون كان نبيا فإن كان له ذنب استحق به التأديب من موسى فذاك هو المطلوب وإلا فإيذاؤه بلا استحقاق ذنب صدر عن موسى والجواب أنه لم يكن ذلك الجر على سبيل الإيذاء بل كان يدنيه إلى نفسه لتفحص منه حقيقة الحال في تلك الواقعة فخاف هارون أن يعتقد بنو إسرائيل خلافه أي يعتقدون أنه يؤذيه وذلك لسوء ظنهم بموسى حتى أنه لما مات هارون في غيبتهم قالوا إن موسى قتله وقد أجيب أيضا بأن موسى لما رأى جزع هارون واضطرابه لما جرى من قومه أخذه ليسكنه من قلقه كما يفعل الواحد منا إذا أراد إصلاح غضبان أو تسكين مصاب وبأن موسى لما غالب عليه الهم واستيلاء الفكر أخذ برأس أخيه لا على طريقة الإيذاء بل كما يفعل الإنسان بنفسه عن عض يده وشفته وقبضه على لحيته إلا أنه نزل أخاه منزلة نفسه لأنه كان شريكه فيما يناله من خير أو شر قال الآمدي لا يخفى بعد هذه التأويلات وخروجها عن مذاق العقل الرابع قوله أي قول موسى للخضر * (لقد جئت شيئا إمرا) * و * (شيئا نكرا) * وذلك الفعل لم يكن منكرا فكان كلام موسى خطأ وقد يقال إن كان فعل الخضر منكرا فذاك وإلا كان موسى كاذبا قلنا أراد منكرا من حيث الظاهر على معنى أن من نظر إلى ظاهر هذه الواقعة ولم يعرف حقيقتها حكم عليها بأنها شيء منكر أو أراد عجبا فإن من رأى شيئا عجيبا جدا فإنه قد يقول هذا شيء منكر وفعل الخضر لما كان
(٤٣٧)