المواقف - الإيجي - ج ٣ - الصفحة ٢٥٨
تعالى ولو أراد عدم إشراكنا لما أشركنا ولما صدر عنا تحريم المحللات فقد أسندوا كفرهم وعصيانهم إلى إرادته تعالى كما تزعمون أنتم ثم أنه تعالى رد عليهم مقالتهم وبين بطلانها وذمهم عليها بقوله * (كذلك كذب الذين من قبلهم) * قلنا قالوا ذلك الكلام سخرية من النبي ودفعا لدعوته وتعللا لعدم إجابته وانقياده لا تفويضا للكائنات إلى مشيئة الله تعالى فما صدر عنهم كلمة حق وأريد بها باطل ولذلك ذمهم الله بالتكذيب لأنهم قصدوا به تكذيب النبي في وجوب اتباعه والمتابعة دون الكذب لأن ذلك الكلام في نفسه صدق وحق وقال آخر * (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) * فأشار إلى صدق مقالتهم وفساد غرضهم الثانية * (كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها) * فإنها تدل على أن ما كان سيئه أي معصية فإنه مكروه عند الله والمكروه لا يكون مرادا قلنا أراد كونه مكروها للعقلاء منكرا لهم في مجاري عاداتهم لمخالفته المصلحة فليس قوله * (عند ربك) * ظرفا لقوله * (مكروها) * أو أراد بقوله مكروها كونه منهيا عنه مجازا وإنما يرتكب هذا التجوز توفيقا للأدلة أي جمعا بين هذه الآية وبين ما ذكرناه من الدلائل الثالثة * (وما الله يريد ظلما للعباد) * مع أن الظلم من العباد كائن بلا شبهة فبعض الكائنات أوليس مراد الله قلنا أي لا يريد ظلمه لعباده لا ظلم بعضهم على بعض فإنه كائن ومراد بخلاف ظلمه عليهم فإنه أوليس بمراد ولا كائنا بل تصرفه تعالى فيما هو ملكه كيف كان ذلك التصرف لا يكون ظلما بل عدلا وحقا
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»