وقالت المعتزلة هو مريد لجميع أفعاله غير إرادته الحادثة عند من أثبتها وأما أفعال العباد فهو مريد للمأمور به منها كاره للمعاصي والكفر وتفصيله أن فعل العبد إن كان واجبا يريد الله وقوعه ويكره تركه وإن كان حراما فبعكسه والمندوب يريد وقوعه ولا يكره تركه والمكروه عكسه وأما المباح وأفعال غير المكلف فلا يتعلق بها إرادة ولا كراهة لنا إما أنه مريد للكائنات بأسرها فلأنه خالق الأشياء كلها لما مر من استناد جميع الحوادث إلى قدرته تعالى ابتداء وخالق الشيء بلا إكراه مريدا له بالضرورة وأيضا قد ثبت أن جميع الممكنات مقدورة لله تعالى فلا بد في اختصاص بعضها بالوقوع وبأوقاتها المخصوصة من مخصص وهو الإرادة وهذا معنى قوله فالصفة المرجحة لأحد المقدورين هو الإرادة كما مر ولا بد منها أي من الصفة المرجحة في إيجاد بعض المقدورات دون بعض وفي تخصيص الموجودات بأوقاتها وإما أنه غير مريد لما لا يكون فلأنه تعالى علم من الكافر مثلا أنه لا يؤمن فكان الإيمان منه محالا لامتناع أن ينقلب العلم جهلا والله تعالى عالم باستحالته والعالم باستحالة الشيء لا يراه بالضرورة وأيضا لو أراده فإما أن يقع فيلزم الانقلاب أو لا فيلزم عجزه وقصوره عن تحقيق مراده ولأنه لا يتصور منه أي من العالم باستحالة الشيء صفة مرجحة لأحد طرفيه لأن أحدهما مستحيل والآخر واجب فلا معنى لترجيح الصفة وفيه بحث لأن عدم إيمان الكافر مراد الله مع كونه واجبا وأيضا هو منقوض بما علم الله وجوده كإيمان المؤمن فإن أحد طرفيه واجب والآخر ممتنع فلا وجه لترجيح الصفة ويعضد هذا الذي هو مذهبنا إجماع السلف والخلف في جميع الأعصار والأمصار على إطلاق قولهم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فإن هذا مروي عن
(٢٥٤)