قلنا كل ذلك يدل على تأثر الحدقة وأما عود الإبصار إليه فلا فلا هي هو ولا مشروطة به عندنا وقد سبق ما فيه كفاية ثم علمت أن الله تعالى أوليس جسما ولا في جهة ويستحيل عليه مقابلة ومواجهة وتقليب حدقة نحوه ومع ذلك يصح أن ينكشف لعباده انكشاف القمر ليلة البدر ويحصل لهوية العبد بالنسبة إليه هذه الحالة المعبر عنها بالرؤية وقد استدل عليه بالنقل والعقل فلنجعله مسلكين المسلك الأول النقل والعمدة قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام * (رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) * والاحتجاج به من وجهين الأول أن موسى سأل الرؤية ولو امتنع لما سأل لأنه حينئذ إما أن يعلم امتناعه أو يجهله فإن علمه فالعاقل لا يطلب المحال فإنه عبث وإن جهله فالجاهل بما لا يجوز على الله ويمتنع لا يكون نبيا كليما الثاني أنه علق الرؤية على استقرار الجبل واستقرار الجبل أمر ممكن في نفسه وما علق على الممكن فهو ممكن الاعتراض أما على الأول فمن وجوه الأول أن موسى عليه السلام لم يسأل الرؤية بل تجوز بها عن العلم الضروري لأنه لازمها وإطلاق اسم الملزوم على اللازم شائع وهذا تأويل العلاف وتبعه الجبائي وأكثر البصريين
(١٥٨)