الأول أنه أي الكذب في الكلام الذي هو عندهم من قبيل الأفعال دون الصفات قبيح وهو سبحانه لا يفعل القبيح وهو بناء على أصلهم في إثبات حكم العقل بحسن الأفعال وقبحها مقيسة إلى الله تعالى وستعرف بطلانه الثاني أنه مناف لمصلحة العالم لأنه إذا جاز وقوع الكذب في كلامه ارتفع الوثوق عن إخباره بالثواب والعقاب وسائر ما أخبر به من أحوال الآخرة والأولى وفي ذلك فوات مصالح لا تحصى والأصلح واجب عليه تعالى عندهم فلا يجوز إخلاله به والجواب منع وجوب الأصلح إذ لا يجب عليه شيء أصلا بل هو متعال عن ذلك قطعا وأما امتناع الكذب عليه عندنا فلثلاثة أوجه الأول إنه نقص والنقص على الله تعالى محال إجماعا وأيضا فيلزم على تقدير أن يقع الكذب في كلامه أن نكون نحن أكمل منه في بعض الأوقات أعني وقت صدقنا في كلامنا وهذا الوجه إنما يدل على أن الكلام النفسي الذي هو صفة قائمة بذاته يكون صادقا وإلا لزم النقصان في صفته تعالى مع كمال صفتنا ولا يدل على صدقه في الحروف والكلمات التي يخلقها في جسم دالة على معان مقصودة ولما كان لقائل أن يقول خلق الكاذب أيضا نقص في فعله فيعود المحذور بعينه أشار إلى دفعه بقوله واعلم أنه لم يظهر لي فرق بين النقص في الفعل وبين القبح العقلي فيه فإن النقص في الإفعال هو القبح العقلي بعينه فيها وإنما تختلف العبارة دون المعنى فأصحابنا المنكرون للقبح العقلي كيف يتمسكون في دفع الكذب عن الكلام اللفظي بلزوم النقص في أفعاله تعالى الثاني أنه لو اتصف بالكذب لكان كذبه قديما إذ لا يقوم
(١٤٠)