المتكلم بما أخبر به أو يصير سببا لاعتقاده إرادته أي إرادة المتكلم لما مر به لم يكن بعيدا لأن إرادة الفعل كذلك موجودة في الخبر والأمر ومغايرة لما يدل عليها من الأمور المتغيرة والمختلفة وليس يتجه عليه أن الرجل قد يخبر بما لا يعلم أو يأمر بما لا يريد وحينئذ لا يثبت معنى نفسي يدل عليه بالعبارات مغايرة للإرادة كما تدعيه الأشاعرة لكني لم أجده في كلامهم بل الموجود فيه أن مدلول العبارات في الخبر راجع إلى العلم القائم بالمتكلم وفي الأمر راجع إلى إرادة المأمور به وفي النهي إلى كراهة المنهي عنه فلا يثبت كلام نفسي مغاير لباقي الصفات وقد مر ما فيه إذا عرفت هذا الذي قررناه لك فاعلم أن ما تقوله المعتزلة في كلام الله تعالى وهو خلق الأصوات والحروف الدالة على المعاني المقصودة وكونها حادثة قائمة بغير ذاته تعالى فنحن نقول به ولا نزاع بيننا وبينهم في ذلك كما مر آنفا وما نقوله نحن ونثبته من كلام النفس المغاير لسائر الصفات فهم ينكرون ثبوته ولو سلموه لم ينفوا قدمه الذي ندعيه في كلامه تعالى فصار محل النزاع بيننا وبينهم نفي المعنى النفسي وإثباته فإذن الأدلة الدالة على حدوث الألفاظ إنما تقيدهم بالنسبة إلى الحنابلة القائلين بقدم الألفاظ وأما بالنسبة إلينا فيكون نصبا للدليل في غير محل النزاع وأما ما دل على حدوث القرآن مطلقا أي بلا تقييد بالنفسي واللفظي فحيث يمكن حمله على حدوث الألفاظ لا يكون لهم فيه حجة علينا ولا يجدي عليهم أي لا يعطيهم فائدة وجدوى بالقياس إلينا إلا أن يبرهنوا على عدم المعنى الزائد على العلم والإرادة حينئذ تنفعهم إذ على هذا التقدير ينحصر القرآن في هذه الألفاظ والعبارات ولا سبيل لهم إلى هذا البرهان فلا حجة لهم أيضا في تلك الأدلة المطلقة لكنا نذكر بعض أدلتهم التي من هذا القبيل ونجيب عنها تكميلا للصناعة الكلامية وتثبيتا لطلاب الحق في مزالق الأقدام وهو من المعقول والمنقول
(١٣٥)